غير من تحملها أداء ورواية. وقد قال العلماء إن من ينسب قراءة إلى غير من تحملها فذلك حرام على سبيل الرواية، أو مكروه كراهة تحريم كما حققه أهل الدراية.
وهذا الخلط من معيب عند أهل الحديث:
ونذكر في ذلك قصة الإمام البخاري حينما دخل بغداد واختبره المحدثون بمائة حديث قلبوا أسانيدها وذكروا لكل حديث إسنادا لا يعرف به هذا الحديث. فكان يقول لهم في كل مرة هذا الحديث لا أعرفه حتى عدوا مائة حديث، ثم ذكر لهم كل حديث متصلا بإسناده الصحيح الذي يعرف به، فشهدوا له بالعلم والفضل. وهكذا نرى أن علماء الحديث يردون الحديث الذي يروى بسند مغاير للسند الذي عرف به بسبب خلط طريق بطريق. فإذا كان هذا هو الإسناد وخطورته فما بالكم بالقرآن وهو كلام الله تعالى الذي ينبغي أن نحتاط في روايته. فإذا نسبت حديثا لغير من تحمله فقد أحدثت خللا عظيما في رواية هذا الحديث, فلا بد أن يكون الإسناد في كتاب الله هو أعظم وأشد خطرا، وأن تكون عناية العلماء القراء به أشد وأعظم من عناية علماء الحديث بالإسناد. إن خلط الطرق بعضها ببعض لا يجوز وهو يؤدي إلى أن تنسب قراءة لغير من تحملها.
واضرب لكم مثلا آخر: ـــ
تقليل التوراة عن قالون:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إذا رجعنا لعبارة التيسير، يقول الداني رحمه الله: (قرأ أبو عمرو وابن ذكوان والكسائي (التوراة) بالإمالة في جميع القرآن، ونافع وحمزة بين اللفظين والباقون بالفتح، وقد قرأت لقالون كذلك).
وأخذ الشاطبي من ذلك بوجهين لقالون: الفتح والتقليل وقال (وبالخلف بللا). فالإمام الداني لم يبين في التيسير من أي طريق قرأ على أبي الفتح في رواية قالون بالتقليل، ولكنه وضح ذلك في كتبه الأخرى كجامع البيان والمفردات، وبينه صاحب النشر وذكر أن طريق التيسير من قراءته على أبي الفتح عن عبد الباقي بن الحسن هي بالفتح في التوراة، أما قراءته بالتقليل فهي من قراءته على أبي الفتح أيضا ولكن من طريق السامري أي من طريق الحلواني وهو من طريق طيبة النشر، ثم قال (وذكر غير الفتح فيه أي في التيسير خروج عن طريقه). ولقد رد علماؤنا تقليل (ها) و (يا) من فاتحة مريم لقالون وقالوا إن طريق التيسير من قراءة الداني على أبي الفتح في رواية قالون يقتضي الفتح، وإنما يؤخذ التقليل في (ها) و (يا) من طريق الحلواني. وكان يتعين على علمائنا كما ردوا تقليل (ها) و (يا) لقالون أن يردوا تقليل التوراة، فليس تقليل (ها) و (يا) من طريق التيسير، كما أن تقليل التوراة ليس من طريق التيسير أيضا، فنجد هنا أن الميزان مختل فهم طبقوا ميزان الإسناد في موضع ولم يطبقوه في موضع آخر.
قال الشاطبي: ونافع لدى مريم هاويا
وقال: وكم صحبة يا كاف والخلف ياسر
فلم يأخذوا بتقليل (ها) و (يا) لقالون ولم يأخذوا بالخلاف عن السوسي في تقليل (يا) لأن ذلك لم يكن طريق الداني في التيسير عن قالون ولا طريقه عن السوسي، ولكنهم أخذوا لقالون بوجهين في (التوراة) التقليل وعدمه ــ وبوجهين في مد المنفصل ــ المد والقصر ــ وبوجهين في ميم الجمع: الصلة والإسكان. فيكون عدد الأوجه كلها كما يقتضي الضرب الحسابي 2× 2×2ـ 8
أي ثمانية أوجه ثم حققوا هذه الطرق وقالوا لم يقرأ لقالون إلا بخمسة أوجه أجازوا الأخذ بها وهي:
1ـ فتح التوراة مع قصر المنفصل مع صلة ميم الجمع.
2ـ فتح التوراة مع مد المنفصل وسكون ميم الجمع.
3ـ تقليل التوراة مع قصر المنفصل وسكون ميم الجمع.
4ـ تقليل التوراة مع مد المنفصل وسكون ميم الجمع.
5ـ تقليل التوراة مع مد المنفصل وصلة ميم الجمع.
وردوا ثلاثة أوجه وقالوا أنها أوجه ممنوعة وهي:
1ـ فتح التوراة مع قصر المنفصل وسكون ميم الجمع.
2ـ فتح التوراة مع مد المنفصل وصلة ميم الجمع.
3ـ تقليل التوراة مع قصر المنفصل وصلة ميم الجمع.
¥