تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم: يا أيها الكافرون، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر."

ولنا أن نتعجب من مفارقة الموقف:سعي الرهط إلى التودد إرضاء للمخاطب،بينما قصد القرآن إلى إغضابهم .. !

هذا والمعهود في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يتمسك باللين من القول، و الذين كانوا يتجاوزون بكثير أسلوب اللياقة ويتمادون في الطغيان هم خصومه أنفسهم.

وقد عهدنا في القرآن -أيضا-مخاطبة ألد الاعداء،وقتلة الأنبياء، بما يحبون من الأسماء،من نوع"ياأهل الكتاب" أو "يا بني إسرائيل"

وذكر صاحب الإتقان في الوجه التاسع من وجوه مخاطبات القرآن:

التاسع: خطاب الذم نحو "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم" "قل يا أيها الكافرون "ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين، وكثر الخطاب ب"يا أيها الذين آمنوا" على المواجهة، وفي جانب الكفار جيء بلفظ الغيبة إعراضاً عنهم كقوله "إن الذين كفروا"." قل للذين كفروا".انتهى

قلت:حتى أن بعض الجهلة استشكلوا خطاب السورة ب"يا أيها الكافرون"وزعموا أن الأصل هو "قل للذين كفروا" تلطيفا للمقال بزحزحة وصف" الكافرين" من صعيد المشافهة إلى صعيد الإخبار ...

ولله در الإمام ابن الأنباري-رحمه الله- إذ رد على هؤلاء بما فيه شفاء لما في الصدور. قال فيما نقله عنه القرطبي:

"قال أبو بكر بن الأنباريّ: وقرأ من طعن في القرآن: قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يُذِلّ نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزرِيّ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لبِ وحِجاً. وذلك أن الذي يدّعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلاً ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم. فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يا أيها الكافرون؛ دليل صحة هذا: أن العربيّ إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قلْ لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم: «ياأيها الكافرون». وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنْسبوا إلى الكفر، ويدخلو في جملة أهله إلاَّ وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذِية. فمن لم يقرأ {قُلْ ياأيها الكافرون} كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرّفه بها".انتهى.

-الثاني: خطاب التحدي والاستفزاز، والمفارقة- هنا أيضا –صارخة. ذلك لأن التحدي يجري على لسان المستضعفين لا المستكبرين!!

ولأمر ما رأى أهل العلم-عن حق-في هذا الحدث علما من أعلام النبوة ... إذ كيف يتجرؤ العاقل على استفزاز من هم في الظاهر أكثرقوة و عددا -وفي عقر دارهم -لو لم يكن يأوي إلى ركن شديد!!

باختصار إن الموقف متجاوز لأي حساب سياسي أو إجراء أمني!

استهلال السورة إذن بهذا الأسلوب يرسخ المفاصلة في المواقف: فالسياسة ليست ندا للدين أو شريكة له فيسعيا معا إلى البحث عن الحقيقة المفارقة، والدين أسمى من أن يصطبغ باللغة السياسية -فضلا عن أن يتبناها –من أجل ربح موقع أو موقعين،"الله غني عن العالمين"ذلكم هو المبتدا والمنتهى.

لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)

مادة (ع. ب.د) تكررت لفظا ثمان مرات:مرتين في كل آي السورة باستثناء آية المطلع وآية المقطع .. (أما معنويا فالعبادة مستغرقة في كل الآيات بدون استثناء فهي متضمنة في آية المقطع على اعتبار العبادة مرادفة للدين أو متضمنة فيه،كما أنها مشار إليها في المطلع - سلبا -في وصف الكافرين)

منهج القرآن في توزيع هذه الكلمات بديع جدا:

فثمة نظام زوجي في التوزيع:

لَا أَعْبُدُ /مَا تَعْبُدُونَ

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ/ مَا أَعْبُدُ

وَلَا أَنَا عَابِدٌ/ مَا عَبَدْتُمْ

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ/ مَا أَعْبُدُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير