تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الدليل الثاني: فهو حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- وفيه أنه ذكر قراءة النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في الصلاة وأنه جهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءته للفاتحة، وهذا الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في سننه كما سيأتي حديث ضعيف، ونص جمهرة المحدثين على ضعفه وعدم صلاحيته للاحتجاج، والأحاديث التي ذكرها أصحاب هذا القول، وهي أكثر من أحاديث القول الأول لكنها ضعيفة، ولذلك اعترف أئمة الشافعية وفحول العلم منهم أنه لم يصح عن النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في الجهر بالبسملة في الفاتحة حديث صحيح، وممن صرح بذلك الإمام الدارقطني-رحمه الله-، وحكاه عنه غير واحد من العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمهم الله-، وكذلك اعترف غيره من أئمة الشافعية أن النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لم يثبت عنه حديث صحيح يصرح بأنه-عليه الصلاة والسلام- جهر بالبسملة في الصلاة، ولذلك قالوا إن الاحاديث التي استدل بها الشافيعة لايستقيم لهم إلا حديث واحد، وهو حديث أم سلمة-رضي الله عنها وأرضاها- في صفة قراءته-عليه الصلاة والسلام- وهوحديث في صحيح ابن خزيمة وغيره من العلماء.

وهذا الحديث يجاب عنه بأن أم سلمة-رضي الله عنها وارضاها- حكت قراءة النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فلما أرادت أن تحكي القراءة وأرادت أن تقرأ سورة تامة من القرآن، فإن العلماء متفقون على شرعية البسملة قبلها فهي تصور القرآءة صفة لا إثباتاً للبسملة كما لايخفى، وحينئذ لايستقيم الاستدلال بهذا الحديث.

وإذا أردت الجواب عنه بأسلوب أصولي، فإنك تقول: حديث أم سلمة-رضي الله عنها- أعم من موضع النزاع وأحاديث الجمهور واردة نصاً في موضع النزاع، والقاعدة في الأصول: " أنه إذا تعارض ما هو أعم من موضع النزاع وما هو صريح ونص في موضع النزاع قدم الثاني على الأول " فلا يعقل أن أنس بن مالك-1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - صاحب رسول الله- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -، وخادمه الذي صحبه، ولم يفارقه ينص على أنه لم يجهر-عليه الصلاة والسلام- ببسم الله الرحمن الرحيم، فهل يخفى مثل ذلك عن أنس بن مالك؟ وكيف يمكن أن نقول: إن البسملة آية من الفاتحة؟ ومع ذلك ينص أنس على أنه-عليه الصلاة والسلام- ترك الجهر بها.

ولذلك يقال: إن الصحيح أن البسملة ليست بآية من الفاتحة يجهر بها في الصلاة، وإذا ثبت أن البسملة ليست بآية من الفاتحة.

فالسؤال: هل يجب أن يبسمل المصلي إذا قرأ الفاتحة أو لا؟

فهذه المسألة مفرعة على المسألة الأولى فجمهور العلماء من المالكية، والحنفية، والحنابلة، وطائفة من أهل الحديث انقسموا على طائفتين:

فالإمام أبو حنيفة النعمان، وكذلك الإمام أحمد-رحمة الله عليهما- يقولان: إنه يبسمل المصلي سراً في نفسه ولايجهر بذلك، ويجب عليه أن يبسمل قبل قراءة الفاتحة في الصلاة، ووافقهم على هذا القول طائفة من أئمة السلف-رحمهم الله- فهذا القول مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - وعن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أجمعين-أنه كان يبسمل في نفسه إذا قرأ في الصلاة، وقالوا: إنه يكون من الواجب على المصلي أن يبسمل سراً، واختار هذا القول من أئمة الحديث الإمام اسحاق بن راهوية، وكذلك قال به الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام الجمحي-رحمة الله على الجميع- فقال أصحاب هذا القول: يجب على المصلي أن يبسمل قبل قراءة الفاتحة؛ ولكن لا يجب عليه الجهر.

وقال الإمام مالك-رحمه الله-: لا يجب على المصلي أن يبسمل ولا بأس أن يبسمل في النافلة ولاحرج عليه في ذلك، ولذلك قال بعص أئمة المالكية ناظماً مذهبه في هذه المسألة في مسألة البسملة في القرءاة فقال:

بَسْمِلْ وُجُوباً عِنَد كُلِّ السُّوَرِ ** عَدَا بَرَاءَةٍ وَذا فيِ اْلأُشْهَرِ

لاَمُخْفِياً أَوْ فيِ الصَّلاَةِ كَانَ ** نَدْباً وَفيِ الْعُمرِ الْوُجُوبُ بَانَا

فالمقصود أنهم لايقولون بوجوب البسملة عند قراءة الفاتحة إذا كان في الصلاة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير