فلو قلت مثلا "فلان يعطي الدرهم والدينار"يكون التعبير سليما لا لغو فيه .. لأن المتلقي لا يمكن أن يستنتج عطاء الدينار من عطاء الدرهم فيستفيد بذكر الدينار معلومة ليست عنده ..
لكن لو قال: "فلان يعطي الدينار والدرهم "لكان ذكر الدرهم حشوا ولغوا،لأن المتلقي سيستفيد المعلومة بقياس الأولى .. فمادام الرجل يعطي الدينار فعطاء الدرهم الذي هو أقل من الدينار أولى!
لكن في النفي يجب العكس:
فتقول:"فلان لا يعطي دينارا ولا درهما"
ولا تقول:"فلان لا يعطي درهما ولا دينارا"
ففي الجملة الأولى قد يخطر ببال المتلقي عندما سمع الشق الأول من العبارة أن هذا الرجل الذي يبخل بالدينار قد يكون غير بخيل بما دونه .. فجاء تمام الجملة ردا على هذا الخاطر.
لكن الجملة الثانية جاءت بما يعلمه المتلقي مسبقا .. فإذا كان الرجل يبخل بالدرهم فلا يعقل أن يعطي الدينار .. لأن نفي الأقل يتضمن بالضرورة نفي الأكثر .. وإثبات الأكثر يتضمن بالضرورة إثبات الاقل ..
السنة هي مقدمة النوم أو ما يتقدم من الفتور الذي يسمى النعاس .. وبناء عليه كان حقه أن يتأخر في النفي اجتنابا للتكرار فيقال -في العبارة المصطنعة-:"لايأخذه نوم ولا سنة" ..
فيكون لنفي السنة معنى، لأن المتلقي قد يقول: إن كان لا ينام فلعله ينعس .. فيأتي نفي السنة دفعا لهذا الخاطر.
لكن الآية جاءت بقلب الترتيب يتوهم معه المستمع تكرارا ما،فيقول: إن كان لا ينعس فهو لا ينام بطريق الأولى .. فمافائدة نفي ما هو معروف!!
جوابه:
ينبغي مراعاة أمر هام يزول معه الإشكال إن شاء الله، فالنفي في الآية مسلط على الفعل (يأخذ) لا على الذوات (السنة، النوم)
فلم يقل: لا سنة ولا نوم ..
وفعل" الأخذ" يدل على القوة والاستعلاء والبطش كما في قوله تعالى:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ..
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ..
وقوة الأخذ وشدته بحسب قوة الفاعل وشدته .. فعاد الترتيب في النفي إلى مجراه المعياري فالمعنى الآن أن الله -سبحانه وتعالى -لا يضعف أمام السنة ولا أمام النوم الذي هو أقوى من السنة.
للحديث بقية .. بإذن الله.
ـ[أبو عبيد السلفي]ــــــــ[09 - 06 - 08, 08:40 ص]ـ
أحسنت بارك الله فيك ..
أسجل متابعة .. !
ـ[توبة]ــــــــ[09 - 06 - 08, 03:51 م]ـ
لكن الآية جاءت بقلب الترتيب يتوهم معه المستمع تكرارا ما،فيقول: إن كان لا ينعس فهو لا ينام بطريق الأولى .. فمافائدة نفي ما هو معروف!!
جوابه:
ينبغي مراعاة أمر هام يزول معه الإشكال إن شاء الله، فالنفي في الآية مسلط على الفعل (يأخذ) لا على الذوات (السنة، النوم)
فلم يقل: لا سنة ولا نوم ..
وفعل" الأخذ" يدل على القوة والاستعلاء والبطش كما في قوله تعالى:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ..
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ..
وقوة الأخذ وشدته بحسب قوة الفاعل وشدته .. فعاد الترتيب في النفي إلى مجراه المعياري فالمعنى الآن أن الله -سبحانه وتعالى -لا يضعف أمام السنة ولا أمام النوم الذي هو أقوى من السنة.
للحديث بقية .. بإذن الله.
بارك الله فيكم،
حتى لو أجرينا النفي في الآية على ظاهرها أي على الفعل (أخذ)،فالمغزى من التكرار لم يتضح لي جيدا من كلامكم.
و قد اختار هذا التوجيه لمعنى الآية أو قريبا منه الرازي و رد عليه الشوكاني في فتح القدير إذ قال:
قال الرازي في تفسيره: السنة ما تتقدم النوم فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم فإذا قيل: لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى فكان ذكر النوم تكرارا قلنا: تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم والله أعلم بمراده انتهى.
وأقول: إن هذه الأولولية التي ذكرها غير مسلمة فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس وإذا ورد على القلب والعين دفعة واحدة فإنه قال له نوم ولا يقال له سنة فلا يستلزم نفي السنة نفي النوموقد ورد عن العرب نفيهما جميعا ومنه قول زهير:
(ولا سنة طوال الدهر تأخذه ... ولا ينام وما في أمره فند)
فلم يكتف بنفي السنة وأيضا فإن الإنسان يقدر على أن يدفع عن نفسه السنة ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه النوم فقد يأخذه النوم ولا تأخذه السنة فلو وقع الاقتصار في النظم القرآني على نفي السنة لم يفد ذلك نفي النوم وهكذا لو وقع الاقتصار على نفي النوم لم يفد نفي السنة فكم من ذي سنة غير نائم وكرر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما.
وللألوسي نقل بديع في التعقيب على هذه الآية وسرد الأقوال التي وردت لتوضيح علة التكرار فيها،يراجع في مظنته.
¥