تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المرأة خمسة عشر بعيرا، وفي ثلاثِ أصابع المرأة الحرة خمسة عشر بعيرا، ومثل هذا كثير من أحكام الشريعة، ولأجلها لم يكره تقسيم قواعد الدين على خمسة عشر أصلا وتقسيم كل أصل منها خمس عشرة مسألة ... " اهـ.

فهذا ابن طاهر البغدادي يتكلف إظهار العدد خمسة عشر في صورة مقدسة حتى يسيغ لنفسه تقسيم الدين إلى خمسة عشر أصلا، والأصل إلى خمس عشرة مسألة؛ يستعمل العدد كوسيلة منهجية، ويبرر ذلك شرعًا.

أما في مجال الفقه فكان العدد وسيلة للحفظ والتمكن من الفروع، شأنه شأن الشعر والقواعد، كما في قسم العبادات لقوانين ابن جزي الغرناطي (1/ 17): "الفصل الثاني: في فرائض الوضوء وهي ستة ... الفصل الثالث: في سننه وهي سِت ... الفصل الرابع: في فضائل الوضوء ومكروهاته، أما فضائله فست ... وأما مكروهاته فست ... ".

وفي باب الاغتسال (1/ 21): "الفصل الثاني: في فرائضه وهي خمسة ... الفصل الثالث: في سننه وهي خمس ... الفصل الرابع: في فضائله وهي خمس ... ومكروهاته خمس ... فروع خمسة ... ".

ثم في باب المياه (1/ 23): "الفصل الأول: في أقسام المياه وهي خمسة ... الفصل الثاني: في الأسئار وفيها خمس مسائل ... ".

هذه إحدى طرق التعلم والتعليم التي اشتهرت عند جملة من الفقهاء، تكلفوا المشاكلات العددية - مع ما في ذلك من تعسف - لكي يمكنوا المبتدئين من الحفظ والفهم مع ما يرون في ذلك التناسب من إعجاز نبوي، فتراهم - مثلا – جمعوا للإمام ابن حنبل اثنا عشر مسألة لكُلٍّ له فيها عشرة أقوال، في نسبتها إليه الضعيف والمرسل والمعضل والمضطرب والمنقطع وكل أنواع العلل في سبيل تحصيل السبق العددي ...

وفي مواضع متفرقة من كتاب الأمنية في إدراك النية للقرافي: "ثم إن هذه الإرادة متنوعة إلى العزم والهم والنية والشهوة والقصد والاختيار والقضاء والقدر والعناية والمشيئة فهي عشرة ألفاظ ... وأما كونه عليه السلام قال الأعمال بالنيات ولم يقل الأفعال ولا الإيثار ولا الإيجاد، فإن الفرق واقع بين أثر وأوجد وخلق وفعل وعمل وصنع وبرأ ودرأ وجعل وكسب فهذه عشرة ألفاظ ... وقد يكون للحكم الواحد عدة أسباب كإيجاب الوضوء بنحو عشرة أسباب ... وها أنا أبسط من موارد النية في نظر الشرع ما يمهد لك هذا البحث في عشرة أنواع ... وللرفض في النية بعد وقوعها نظائر في الأشكال من جهة رفع الشيء بعد وقوعه، أحدها (وعدّ عشرة أشكال) ... ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه ونشرع في الجواب عن تلك العشرة مع المسائل المذكورة في المسألة فنقول ... "

ربما حمل القرافي على نفسه في "تَعشير" كتابه قوله في ثنايا بحثه: "الإنسان يثاب على نية واحدة وعلى الفعل عشرا والكتاب وضع أصلا للإحاطة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، فكأن إعجاز العدد تسلل إلى ذاته فصبغ كتابه - على صغر جرمه - بعشاريات.

فترى أن استعمال إعجاز العدد في التفسير والفقه والعقائد وغيرها من العلوم سنة جارية عند أهل العلم شرقا وغربا، لم يُر نكيرا على أحدهم ولا أُثر، إلا من قبيل ما يأتي:

- أنه من مُلَح التفسير ونكت التأويل لا من متين العلم؛ فلا نبنِ عليه أحكاما كونية كنهاية العالم، أو سقوط إسرائيل ... ولا يستغرق وقتنا على حساب الواجب والأوجب؛ فالعدل قبل الإحسان، والاقتصاد قبل الترف، والحاجة قبل الكمال.

- أنه من أدلة الاستئناس وليس بدليل مستقل، مثاله ما ذكر القرطبي عن ابن عطية في بيان ليلة القدر.

- أنه وسيلة منهجية لتحصيل غايات علمية – لا خرافية – كتسهيل الحفظ وتيسير الفهم أو تبرير تقسيم الكتاب وتبويبه أو لطابع جمالي بلاغي أو غير ذلك.

- عدم الغلو والإفراط في استخدام الأعداد والأرقام وتكلف المشاكلات، كما أن الغلو مذموم مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين قال المناوي رحمه الله: "أي التشديد فيه ومجاوزة الحد، وتتبع الغوامض، والكشف عن علل وغوامض المتعبدات".

هذا ما يسره الله عز وجل، ضربا بالمثال على ما هو معمول عند السلف ومن بعدهم ممن اقتدى، وبالله التوفيق.

ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[09 - 07 - 08, 10:53 ص]ـ

وبعد:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير