تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صلى أحد الأدباء إحدى الصلوات الرباعية هو وصديقه في أحد مساجد القاهرة في القرن الماضي، فقام الأديب وصلى السنة ولم يصليها صديقه، وبعد أن فرغ الأديب من السنة سأل صديقه لماذا لم تصلِ السنة؟ فقال لا لشيء، عندها قال الأديب:

ولم أرَ في عيوب الناسِ عيباً .. كنقص القادرين على التمامِ

وبعد مرور مايقرب من 15 سنة تقريباً عاد الأديب من غربته والتقى بصديقه القديم وصليا الفرض فقام صديقه فصلى السُّنة وقال للأديب: كلما هممت بالإنصراف بعد صلاة الفرض تذكرت بيت صاحبك يعني المتنبي فصليت السُنة.

وكذلك قوله:

الرأي قبل شجاعة الشجعانِ ... هو أولُ وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ ... بلغت من العلياء كل مكانِ

رأي الحصيف مقدم في الأزمات على إقدام الشريف، فإن اجتمعت الحنكة بالشجاعة في نفس رجل واحد طارت به الى نجوم المجد وسماء المكارم.

وكذلك بيته الشهير:

ما كل ما يتمنى المرء يدركهُ ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ

أظن معناه أوضح من أن يشرح!

وكذلك قوله:

وإذا لم يكن من الموت بدُّ ... فمن العجز أن تموت جبانا

إذا كان الموت أمر متحقق لا محالة فلماذا لا تختار أشرف موت وأنبله حتى تُكتب سيرتك بمداد المجد في سجل الخالدين؟

وكذلك قوله الذي لم يزل العلماء يستحسنونه كما ذكر الذهبي عن أبي العباس النامي:

رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاءٍ من نبالِ

فصرت إذا أصابتني سهامٌ .... تكسرت النصالُ على النصالِ

يقول من كثرة ما رماني الدهر بسهام المصائب أصبح قلبي في غلافٍ منها بها، فلو رماني اليوم مرة أخرى سوف تصطدم السهام المرمية بالسهام القديمة!

وكذلك قوله يصف جيشاً:

في جحفلٍ ستر العيون غبارهُ ... فكأنما يبصرنَ بالآذانِ

ويالها من صورة معبرة فإنه يذكر من كثافة الجيش وارتفاع الغبار من فوقه أن حاسة البصر لدى الخيل تعطلت عن رؤيته فقام السمع مقام البصر فإذا أحست بشيء نصبت آذانها كأنها بها تبصر.

وكذلك قوله:

وحيد من الخلان في كل بلدةٍ ... إذا عظم المطلوب قل المساعدُ

فإن كنت تطلب أمراً سهلاً فما أكثر رفقائك ولكنك حين تطلب الأمر الجسيم فما أقلهم.

وفيها البيت الشهير:

بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائبُ قومٍ عند قوم فوائدُ

فربما كانت الحادثة مصيبة عند أُناسٍ من وجه، ولكنها فائدة عند آخرين من وجهٍ آخر.

وهو صاحب البيت الذي يرمز للعلم في مختلف المحافل:

أعزُّ مكانٍ في الدنا سرج سابحٍ ... وخير جليسٍ في الزمان كتابُ

وله أيضاً الأبيات السائرة التي بسببها أجاز الوزير الصاحب بن عباد إنشاد أشعار المتنبي رغم ما بينهم من التنافر والشحناء وذلك بعد أن توفيت أختٌ لابن عباد فأتته 60 رسالة تعزية من أمراء أقاليم مختلفة شرقاً وغرباً تتصدرها كلها أبيات المتنبي:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ ... فزعت فيه بآمالي الى الكذبِ

حتى إذا لم يدعْ لي صدقهُ أملاً .... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

فقال الوزير: لمن هذه الأبيات، فقالوا: هي للمتنبي يرثي بها أخت سيف الدولة فتمثل بها الأمراء.

فقال: أرى أن أشعاره سارت مسرى الشمس شرقاً وغرباً وبعد ذلك أجاز إنشاد أشعاره.

وكذلك قوله:

أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي .. وأسمعت كلماتي من به صممُ

قال أبو العلاء المعري الشاعر الفيلسوف الأعمى: أنا الأعمى الذي قصده المتنبي في هذا البيت، وذلك لشدة ولعهِ في المتنبي حتى أنه قام بشرح ديوانه.

أما البيت الذي قيل أنه قتله فهو:

الليل والخيل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ

وكان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي العيني وعند عودته يريد الكوفة أو بغداد، وهو في جماعة منهم ابنه محسّد وغلامه مفلح، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي، وهو خال ضبّة، وكان في جماعة أيضًا فاقتتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد.

قصة قتله أنه لما ظفر به فاتك، أراد الهرب فقال له ابنه أو خادمه: أتهرب وأنت القائل:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ

فقال المتنبي: قتلتني ياهذا، فرجع فقاتل حتى قُتل، ولهذا اشتهر بأن هذا البيت هو الذي قتله، بينما الأصح أن الذي قتله هي تلك القصيدة التي هجا بها الأسدي!

رحل أبو الطيب وأقامت حكمته فأصبح شعره أبد الدهر يُروى ويُستدلُّ به على مدى عبقريته عند كل محب له وكل مخالف، وكان رغم التخاصم في شخصيته وشاعريته، كما قال:

أنامُ ملئ جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلقُ جرَّاها ويختصمُ!!

منقول من مدونة الأريكة

www.talal-almonawer.com

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير