ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[16 - 01 - 10, 03:51 ص]ـ
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقد رأيت في الديوان المنسوب إلى الإمام الشافعي والذي حققه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي بيتين من ردئ الشعر وباطل النظم ألا وهما:
لا يكن ظنك إلا سيئاً ** إن سوء الظن من أقوى الفطن
ما رمى الإنسان في مخمصة ** غير حسن الظن والقول الحسن
وقد علق المحقق عليهما بأنه ما أوردهما إلا مراعاة للأمانة العلمية وقد أخطأ في فعله ذلك من وجوه:
الأول: أنه لم يعز البيتين إلى موضع من المراجع المعتمدة في مثل ذلك مثل كتب تراجم الشافعي أو كتب الأدب والرواية والنقد ونحوها.
الثاني: أنه لم يسند البيتين إلى الشافعي ولم يذكر من نسبهما إليه أصلاً.
الثالث: أن هذين البيتين مما لا يليق نسبتهما للإمام الشافعي بالبديهة وإلحاح العلم الضروري على أقل الناس نصيباً من الفهم.
الرابع: أنه لم يذكر في مقدمة الديوان في دراسته له مصادر ذلك الديوان حتى يكون إيراده لما أودعه فيه بعد ذلك معلوماً غير مبهم.
أما عن الأبيات فمما ينزه عنه الشافعي بإجماع العاقلين تحت قبة الفلك! كيف لا وهو الإمام الزاهد الأديب الذي رضع آداب الشرع الحنيف حتى أمسى مضرب مثل في أدبه ومشار أصابع الناس في ديانته.
وهذان البيتان فيهما من الباطل أشياء كثيرة منها:
أولاً: الأمر بسوء الظن:
وهذا باطل بالنقل الصحيح والعقل الصريح أما من جهة النقل؛ فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " (الحجرات: 12).
وما ذكر الله تعالى الظن مجرداً في كتابه في مقام مدح فيما أعلم بل ذكر أنه فعل الكافرين المكذبين برسالة النبي الأمين.وأنه مطية آمال الجاهلين والمنافقين الذين يتمنون هلاك الرسول والمؤمنين وانطفاء نور الدين.
فقال مخبراً عنهم:" بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا " (الفتح: 12).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغُضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا. وَكُونوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا " متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
هذا في الظن فكيف بسوء الظن؟!
وأما من جهة النظر فإن الظن هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض كما قال الجرجاني. وسوء الظن هو الميل إلى استحسان المرجوح القبيح دون الراجح الحسن.
وهذا غير لائق بمقام الآدمي الذي كرمه الله بالعقل والوحي والتكاليف والعبادات وأمره ونهاه فكيف يليق بسادات المؤمنين ونبلاء الصالحين وحذاق المفتين والموقعين عن رب العالمين كالإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله؟!
الثاني: جعل سوء الظن من الفطنة:
وهذا غلط بل هو من الخرق والحماقة وضعف العقل والسفاهة ونجاسة الطوية.
ولذا أوجب الله تعالى على عباده في معاملته حسن الظن به؛ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. متفق عليه.
وحذر كذلك من سوء الظن بالخلق كما تقدم.
الثالث: عيبه القول الحسن وجعله إياه سبب المخمصات والمشكلات:
وهذا باطل لأن الله تعالى حض عباده على القول الحسن فقال في كتابه:" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " (البقرة، 83). وقال:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا " (الإسراء، 53). وقال:" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " (فصلت، 34).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:" وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} أي: كلموهم طيبًا، ولينُوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصري في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} فالحُسْن من القول: يأمُر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله، وهو كل خُلُق حسن رضيه الله " اهـ
والإحسان في القول مُدَّخل من مدخلات الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين كما جاء في حديث جبريل المشهور.
وحسن القول من صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة كما هو في التوراة:" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح به قلوبا غُلفا، وآذانًا صمًا، وأعينًا عميًا" هكذا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)
¥