تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فنُّ التغني بالقرآن الكريم عند الشيخ الحصري

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[19 - 07 - 09, 09:45 م]ـ

فنُّ التغني بالقرآن الكريم عند الشيخ الحصري

لا شك أنه قد تغيرت الأذواق في هذه الأيام عما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة في الأقل - وهي المدة التي عشتها، ونشأ إدراكي فيها - أعني التذوق في السَّماع.

ولا بأس بالتغير إن كان في وجهة التنويع، ومن باب الأولى إن كان في وجهة التحسين، بل هذا محمود.

ولكنه تغير في ظني إلى السيِّئ، وأظن أن من أسبابه - أو من آثاره إن شئت - هذا الضجيج العالي مما يمكن أن يُسمَّى التلوث السمعي أو الصوتي، وليس هذا التلوث في علو الصوت وقبحه فحسب، ولكن في رداءته وسذاجته ونشازه، بل في رعونته وبلاهته.

ولا تظن أني أعني المضمون أو المعنى أو الكلام، فلهذا بابٌ آخر من القول، ولا يبعد أن يكون ما أعنيه أثرًا من رعونة الفكر، ومن سخافة الاهتمام!

وشؤون المجتمعات الإنسانية متداخلة متفاعلة، فالانحراف السماعي نوع من الانحراف الفني والأدبي في الجملة ... وهلم جرًّا.

وهذا الانحراف يمكن مقاومته ومحاصرته، لا بحجبه أو إلغائه، فهذا غير مُجْدٍ وغير ممكن، ولكن يكون بإنشاء البديل المنافس له، والفطرة الإنسانية ترجع إلى الأجدى والأجمل عند وجدانه، وأما إنشاؤه وإحضاره فهو عمل نخبة من المجاهدين في مطاردة القبيح بالجميل، والسيئ بالحسن؛ ذلك أنه إذا أردت أن تُكسد سوق سلعة فأت بالبديل المنافس لها.

ولا تظن أن هذا يجري على الغناء والإنشاد الديني فحسب؛ لأنه يجري على تلاوة القرآن الكريم أيضًا.

وليس هذا مردُّه إلى الفرق بين القديم والجديد، أو بين القدامى والمعاصرين؛ لأنك لن تعدم النماذج المتقنة المتَّزنة في عصرنا في الغناء والإنشاد والقراءة، على قلتها.

وقد شرفني الله - تعالى - بتعليم القرآن الكريم، وكنت أوصي طلابي - مع الوصايا النظرية - بنماذج يقتدون بها؛ لأنه لا يغني التقعيد النظري إلا أن يقترن بمثال يُرَى فيه تحقُّقُ القواعد في عمل.

فكنت أوصي بالاستماع إلى أعلام المدرسة المصرية في التلاوة؛ لأنها جمعت إتقان الفن القرائي، وإتقان الفن الإبداعي.

وفي أول هذه المدرسة من أصحاب التسجيلات المعاصرين: شيخ عموم المقارئ المصرية على أيامه: الشيخ محمود خليل الحصري (1337 - 1400 هـ = 1917 - 1980 م)، رحمه الله!

وامتداح قراءة الشيخ الحصري من ناحية الإتقان ليس بدعًا من القول، فيكاد يكون إجماعًا من أهل هذا الفن، فهو من أمثل النماذج التي يمكن أن يشار إليها في تجويد الحروف العربية، ومن آخر ما بلغني في هذا ما قاله فضيلة الأستاذ المقرئ الشيخ محمد تميم الزعبي الشامي منشأً، المدني إقامة، عضو لجنة مصحف المدينة المنورة - في مقدمة تحقيق المقدمة الجزرية (ط1، 1429 = 2008): " ولعل من أشهر من نطق بالحروف الصحيحة الشيخ محمود خليل الحصري - رحمه الله - خاصة في رواية ورش " (ص39)، يقصد في ختمته المسجلة برواية ورش.

وأما فن التغني فهذا هو مجال القول، وهذا ما تختلف فيه الأذواق، وما أزعم أن قلة تقديره خللٌ في الذوق السماعي.

والوصف في هذا الباب ليس سهلاً، ولا بالغًا حقيقة الموصوف.

وأول ما يُعجب في الصوت إصابته واتِّزانه بلا نشاز، وهذا مقدَّم على صفائه وخلوه من الشوائب المؤذية للسمع، ومقدَّم على قوته وصلابته، لأن الصفة الأولى تقع في موقع الغاية، والصفتين الأخريين تقعان في موقع الوسيلة، وإذا حسُنت الوسيلة والغاية فبها ونعمت، وإن بلغْنا الغاية بوسيلة ليست جيدة كل الجودة، فقد حصَّلنا المقصود على كل حال.

والعجيب أن صوت الشيخ الحصري قد جمع هذه الصفات الثلاث، مع زيادة فيه، هي مَسْحة الجلال والوقار اللذين يلقيهما في السمع وفي النفس، وهو في هذا مختلف عن الجلال والوقار في صوت الشيخ المنشاوي - عليه رحمة الله! -

مثلاً؛ لأن هاتين الصفتين في صوت الشيخ المنشاوي مأتاهما من قوة الصوت، وبُعْد قراره، ومن تحزيزات فيه، وغلظ محبَّب محمود، ولهذه الخصيصة مثال أوضح في صوت الشيخ سيد النقشبندي المنشد المعروف، وفي صوت الشيخ محمود عبد الحكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير