[بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها القراء - لابن البناء البغدادي (ت 471هـ).]
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[29 - 09 - 09, 08:58 م]ـ
بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها القراء
وإيضاح الأدوات التي بني عليها الإقراء
لأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي
(المتوفى سنة 471هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين، وبعد:
فجعلنا الله وإياك ممن رعى العلم وحفظه، وعمل به وعلّمه، فإنك لما رأيت كتاب (التجريد في التجويد) واستحسنت أصوله وفصوله، أحببت إتباعه بمختصر في معايب ألفاظ يتكلفها كثير من القراء على غير أصل، ولا هي داخلة في حد تجويد ولا ترتيل، وإنما يكون ذلك ممن يتكلف التجويد من غير أن يقتبسه من عالم مُجيد، وسألتَ كشف عوارض في لسان الإنسان كرهها الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، وغيره من الفقهاء في الإمامة، مثل التمتام والفأفاء والأرَتّ والألثغ، وآثرت كشفها، وهل للمقرئ المحسن في صرفها أو أكثرها حيلة أم لا؟ فأتيتك بما حضرني في ذلك، والله المعين على الرشاد، والموفق للسداد، نفعنا الله وإياك به، وجميع المسلمين، إن شاء الله.
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[29 - 09 - 09, 09:08 م]ـ
باب: العيوب الفَظِعَة في النفس التي يجب أن يجتنبها القارئ حين القراءة والدرس
من ذلك تحريك الرأس عن يمين وشمال كالالتفات، أو تحريكه بزَعْزَعَةٍ من سُفْلٍ إلى عُلْوٍ إلى سُفل كالإيماء بنَعَم ولا في المخاطبات.
ومنه عبوس الوجه وتقطيبه، وتصغير العينين، وتعالى أعالي الخدين، وتلوين الحاجبين، وتعويج الشفتين، وإقامة العنق وإحناؤه بما يخرج عن العادة المألوفة والشاكلة المعروفة، والزحف والتنقل من جِلْسةٍ إلى خلافها كثيرا، والعبث بالأصابع والشعر.
ولْيكنْ في هيئته عند جلوسه وتلاوته على أجمل ما يراه، مباينًا لما ذكرناه، وأشباهه، مما لا يرضاه، فهو لحاله أفضل، وفي جماله أنبل، والله يعصم من الزلل، ويعيذ من العلل، بمنّه وكرمه، إن شاء الله.
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[29 - 09 - 09, 09:09 م]ـ
فصل
قد ذكرنا عيوب الهيئات، ولها تأثير في الشريعة، وهو تأدبه بها أو أكثرها في صلاته بين يدي ربه الكريم. كذلك يجب أن يتأدب بها عند تلاوة كتابه الحكيم.
وأما عيوب الأصوات التي يجب أن يجتنبها؛ فمن ذلك: الجهر الصاعق، والغض الزاهق، واستكداد الصوت حتى ينقطع، ونقله من حال إلى حال في تباعد الانتقال، وربما أفضى به ذلك إلى اختلاج الصدر والكتفين، وتغير اللون والعين، وتدر عروقه، وتفسد حروفه.
ويُكْرَهُ اللَّكْزُ في القراءة، وهو الابتداء بقلع النَّفَس والختم به، وكذلك المبتدئ بصياح مديد والخاتم به - وإن لم يكن فيه لكز -، وحقيقة اللكز دفع الحرف بالنفَس عن شدة إخراج له به، وهو في الاستئناف أقوى منه في القطع. ومن صفة اللكز - وهو شبيه بالوَكْزِ - الإبلاغ في الهمزة المتحركة فوق حقها وكسوة الهمزة الساكنة ضيقا ربما أخرجها عن السكون إلى التحريك.
ويُحْذَرُ في الساكن من عيبين: أحدهما السرعة به حتى يصير متحركا، والثاني التشديد له حتى يزيده ثقلا.
وكذلك يُحذر من زيادة الممدود الذي يخرجه عن حده، فيعتقد أنه تجويد وأنه فيه من المحسنين، ولا يعلم أنه من المسيئين.
ويُحذر من التمضيغ - وهو تعريض الشِّدقين كالْمُتَزَحِّر والضاحك المخافت -، واستراط الريق، وإخراج الصوت من قصبة الحلق مختلسا إلى الرَّفَهِ.
ومن العيوب: الطَّخْر، وهو إخراج الحروف بالنفس قَلْعا من الصدر، ولربما خفي بأكثرها مخرج الحاء والهاء، لما يبالغ في إخراجها من الشدة، ومنهم من يفتح لذلك فاه حتى كأنه يصايح مخاصما له في إغضاب.
ومن العيوب: الزَّحْرُ، وصفته تمديد الحروف، خارجا عن سنن حدها، حتى تتقلص لذلك جلدة الوجه.
ومن العيوب: الترعيد، وصفته تعليق الصوت بترديد الحنجرة، كأنه يروم منزلة من التطريب، والحدر في إفساد الحروف، ومنع لمدارج الكلام من إمضائها على سواء.
ومن العيوب: التشديق، وصفته تطويل الحروف في تمييلِ أيمن الشدقين أكثر من تمييل الأيسر، والاستعانة بهما عند المخفوض أو التنقل من خفض إلى فتح، مثل (إن ولي الله)، أو إلى رفع، مثل قوله (والعشي يريدون وجهه).
ومن العيوب: التكليم، وصفته تجعيد الحروف بترقيص النفَس من معاليق الأحشاء.
وهذا وما أشبهه من المعايب كرهها العلماء بالقراءة وذوو المعرفة بالأخذ، وذكروا فيها التصانيف، وناهيك بصاحبنا أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله المنادي - رحمه الله -، فإنه أخذ من ذلك الحظ الأوفر والنصيب الأكثر.
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[29 - 09 - 09, 09:09 م]ـ
باب: وصف الهيئة المحمودة والطريقة المقصودة
أحمَد الأشياءِ عاقبةً، وأَسَدُّها ثاقبة، وأعدلها طريقة، وأجملها خليقة - هو المضي على سنن واحد يقبله الغائب والشاهد، لا تمضيغ ولا تضجيع، ولا تمطيط ولا تقطيع، ولا علو صوت ولا خفوت، ولا خروج من نطق إلى سكوت.
ولا يخلو الإنسان من أحد أمرين؛ إما أن يجد ذلك بطبعه وطريقته، وهديه وخليقته، فهو مستمر عليه غير مائل، إلا أن يعترضه سبب فهو لأجله عن ذلك عادل، مثل شِبَع في غذاء، يعقبه رُبُوُّ النفَس، أو سُعَال أو فُواق أو جُشَاء، فهو إما أن يمسك حتى يزول العارض، أو يعلم من حاله أنها لم تتغير إلا لأجل ذلك السبب.
والقسم الثاني: من لا يعلم من نفسه ما ذكرناه، فهو يتدارك ذلك من نفسه بمجالسة القراء ورياضته بمجالس العلماء، وسماع من وهب الله له تلك الطريقة المحمودة، ولن يخليه الله منها وتعلمها، والموهبة له يتفهمها، فهذه الصفة المحمودة في الأصوات.
وأما الهيئات فهو أن يترك الجوارح على ما جبلها الله - سبحانه - عليه، لا يغيَّر ولا يُراد في انتصاب ما منها منتصب، ولا في انحطاط ما منها منصوب كالرقبة ومدار العينين وانشيال الخدين، وانبطاح الأنف، وتركيز الجسم في الجلوس والقيام، والانتقال من حال إلى حال غيرها في خفض وسكون، وتجنب جميع ما ذكرناه في الباب الأول.
¥