تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الردود النحويّة على الشبهات المزعومة بأنّ بعض آيات القرآن الكريم فيها أخطاء نحويّة (ياسر محمد مطره جي

ـ[أبوعمار السوري]ــــــــ[29 - 07 - 09, 09:39 ص]ـ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

بعدِ حمدِ الله تعالى والثناء عليه، وبعد الصلاةِ على رسول الله والسَّلامِ عليه، فإنّ ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هنا في منتدياتنا الكريمة ما رأيته في بعض المواقع في الإنترنت، التي تتطاول على القرآن الكريم، وتنعته بأنّه ليس فصيحاً وفيه من الأخطاء اللغوية الكثير، ويعدّدون بعضاً من الآيات التي فقرهم باللغة دفعهم إلى الاعتقاد بأنّها خارجة على قواعد اللغة العربيّة، فدخلوا من هذه الزاوية على عقول الشباب والشابات الذين لا يملكون القوّةَ اللغويّة التي تمكّنهم من معرفة كيفيّة دفع هذا الوهم ...

ولعلّ أهمّ آية يتعرّضون لها دائماً بجملة من الاتّهامات هي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُواْ وَالَّذِيْنَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُون [1] وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [2]:

فهذه الآية الكريمة خير مثال على ضرورة التيقّظ وعدم التّسرّع ومراعاة مقام النصّ القرآنيّ والنظر إلى المعنى، لا الجري وراء ظاهر اللفظ فحسب، لمعرفة حقيقة المراد منها معنويّاً وكيف عبّر عنه القرآن الكريم لفظاً.

والإشكال المزعوم هو رفع كلمة: "الصَّابئون" في موضع يجب فيه أن تكونَ منصوبة، عطفاً على محلّ اسم "إنَّ" وهو "الذينَ" الذي هو في محلّ نصب؛ أي يجب أن تكون "والصّائبين" كأيِّ اسمٍ معطوف ينصب إذا عُطِفَ على منصوب، وبهذا جاء القرآن الكريم أيضاً دون أن يخرج عن القاعدة إلاَّ هنا في هذه الآية، ففي زعمهم -والعياذ بالله تعالى- أنّه أخطأ وشذّ عن القاعدة فهو بذلك ليس من عند الله.

وفيما يأتي سأعرض لكم آراء كثير من علماء النحو وعلماء التفسير في ذلك مستعيناً بالله تعالى على ذلك، دفعاً للوهم المزعوم بالدليل القاطع والبرهان الناصع، وتنزيهاً لكتاب الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:

يرى الخليل وسِيْبَوَيْهِ أَنَّ {الصَّابِؤُونَ} مرتفعٌ على الابتداء وخبره محذوف، والتَّقْدِيْر "والصابئون والنصارى كَذَلِكَ" [3]، يقول سِيْبَوَيْهِ في الكتاب: «وأمّا قوله عزّ وجلّ {وَالصَّابِؤُونَ} فعلى التَّقْدِيم والتَّأْخِير، كَأَنَّهُ ابتدأ على قوله {وَالصَّابِؤُونَ} بعدما مضى الخبرُ» [4].

وأنشد قول الشاعر بشر بن أبي خازم [5]:

وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُمْ ...... بُغَاةٌ مَا بَقِيْنا فِي شِقَاقِ [6].

فكَأَنَّهُ قال: بغاةٌ ما بقينا وأنتم [7].

ومَنْ ذهب هَذَا المذهب استشهد أَيْضَاً بقول الشاعر [8]:

وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِيْنَةِ رَحلُهُ ....... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيْبُ.

وكَأَنَّهُ قال: فإنّي لغريبٌ وقيّارٌ كَذَلِكَ [9].

ليكون تقدير الآية على هَذَا التَّأوِيل -كما ذكره القُرْطُبِيّ-: «إِنَّ الَّذِيْنَ آمنوا والَّذِيْنَ هادوا مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كَذَلِكَ» [10]، ويكون بِذَلِكَ العطف من باب عطف الجمل، فالصابئون وخبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُواْ}، ولا محلّ لها، كما لا محلّ للجملة الَّتِي عطفت عليها [11]، فيصير العطف على الموضع، بعد خبر {إِنَّ} في المعنى [12].

وَيَرَى بعض النَّحْوِيِّيْنَ أَنَّ {الصَّابِؤُونَ} مرفوعٌ بالابتداء، وخبره محذوفٌ كمذهب الخليل وسِيْبَوَيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يُنْوى بهَذَا المبتدأ التَّأْخِير، نقله أبو البقاء في "التّبيان" [13]، وضعّفه في "الإملاء" [14] لِمَا فيه من لزوم الحذف والفصل [15]؛ أي لِمَا يلزم من الجمع بينهما.

وَيَرَى الكِسَائِيّ والأَخْفَش أَنَّ {الصَّابِؤُونَ} معطوفٌ على المضمر في {هَادُواْ} [16]، والزَّجَّاج خطّأَهُ من جهتين: إحداهماأَنَّ المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حَتَّى يؤكّد، والأخرىأَنَّ المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنىأَنَّ الصّابئين قد دخلوا في اليهوديّة، وهَذَا محالٌ [17]، وقد ردّ هَذَا الرأي أَيْضَاً الفَرَّاء [18] تلميذ الكِسَائِيّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير