قال الله تعالى {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)}
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف فمن ذلك:
عن النبي (ص): اقرؤوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية أنه كان في صلاة العشاء فتدل على تكريره منه وفي رواية أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
وعن أبي رجاء قال رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.
وعن أبي صالح قال قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه هكذا كنا.
وعن هشام قال ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية والله أعلم.
قال الإمام أبو حامد الغزالي البكاء مستحب مع القراءة وعندها وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب.
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر رحمه الله - (ج 14 / ص 279)
قَوْله: (بَاب الْبُكَاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن)
قَالَ النَّوَوِيّ: الْبُكَاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن صِفَة الْعَارِفِينَ وَشِعَار الصَّالِحِينَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ) (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) وَالْأَحَادِيث فِيهِ كَثِيرَة. قَالَ الْغَزَالِيّ: يُسْتَحَبّ الْبُكَاء مَعَ الْقِرَاءَة وَعِنْدهَا، وَطَرِيق تَحْصِيله أَنْ يَحْضُر قَلْبه الْحُزْن وَالْخَوْف بِتَأَمُّلِ مَا فِيهِ مِنْ التَّهْدِيد وَالْوَعِيد الشَّدِيد وَالْوَثَائِق وَالْعُهُود ثُمَّ يَنْظُر تَقْصِيره فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرهُ حُزْن فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّف فِي الْبَاب حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمَذْكُور فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء ...
قَالَ اِبْن بَطَّال: إِنَّمَا بَكَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد تِلَاوَته هَذِهِ الْآيَة لِأَنَّهُ مَثَّلَ لِنَفْسِهِ أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَشِدَّة الْحَال الدَّاعِيَة لَهُ إِلَى شَهَادَته لِأُمَّتِهِ بِالتَّصْدِيقِ وَسُؤَاله الشَّفَاعَة لِأَهْلِ الْمَوْقِف، وَهُوَ أَمْر يَحِقّ لَهُ طُول الْبُكَاء اِنْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ بَكَى رَحْمَة لِأُمَّتِهِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدّ أَنْ يَشْهَد عَلَيْهِمْ بِعَمَلِهِمْ وَعَمَلهمْ قَدْ لَا يَكُون مُسْتَقِيمًا فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَعْذِيبهمْ، وَاللَّهُ أَعْلَم
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي رحمه الله - (ج 1 / ص 127)
مسئلة يستحب البكاء عند قراءة القرآن، والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع،
قال تعالى {ويخرون للأذقان يبكون}
وفي الصحيحين حديث قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه فإذا عيناه تذرفان.
وفي الشعب للبيهقي عن سعد بن مالك مرفوعاً: إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا.
وفيه من مرسل عبد الملك بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة، فإن لم تبكوا فتباكوا.
وفي مسند أبي يعلي حديث اقرءوا القرآن بالحزن، فإنه نزل بالحزن.
وعند الطبراني أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن.
قال في شرح المهذب: وطريق في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب.