ومع هذا عندما روى رواية فاسدة المعنى حكم عليها الإمام أحمد بالنكارة الشديدة.
فنأخذ منه – تعلُّمًا وتفقُّهًا – أن النكارة لا تقتصر على ما يرويه الضعيف فقط؛ والذي به يُرَدُّ تشغيبُ ممدوح.
3) نقل الخطيب في (تاريخ بغداد) (2/ 102/ ترجمة بندار) بسنده عن عبد الله ابن علي بن عبد الله المديني قال: " سمعت أبي وسألته عن حديث رواه بُنْدار عن ابن مهدي عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تسحروا فإن في السحور بركة ". فقال: هذا كذب.
قال: حدثني أبو داود موقوفا, ً وأنكره أشد الإنكار." اهـ.
بُنْدار هو محمد بن بشَّار من الثقات المشهورين, لم يُقْبَل قول مَنْ تكلم فيه , ومع ذلك حكم الإمام ابن المديني على حديثه الذي رفعه بالنكارة الشديدة, حيث أحطأ فرفعه وهو موقوف.
وأمَّا على طريقة ممدوح صاحب "كتاب علل" فسيجعل الموقوف شاهداً للمرفوع الشديد النكارة , بل قد يقول: " الموقوف الصحيح له حكم الرفع ففيه غنية لتقوية المرفوع " كما صنع في كثير من الأحاديث منها الحديث الثالث من (التعريف).
وكيف إذا علم أنًّ حديث: " تسحروا .... " هو عند البخاري (1923) وعند مسلم (1095) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعًا؟.
4) قال ابن أبي حاتم في (العلل) (رقم 313): " وسمعت أبي , وقيل له: حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجمع بين الصلاتين.
فقال: حدثنا الربيع بن يحي عن الثوري, غير أنَّه باطل عندي. هذا خطأ لم أدخله في التصنيف. أراد " أبا الزبير عن جابر" أو: " أبا الزبير, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ", والخطأ من الربيع." اهـ.
الخطأ من الربيع, فما حال الربيع؟.
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (3/ 471): " سمعت أبي يقول: هو ثقة ثبت " اهـ.
ومع هذا حكم أبو حاتم على حديثه هذا بأنَّه: " باطل, لم أدخله في التصنيف".
"باطل". خطأ منكر. وصفه الدارقطني – أي: الحديث – فقال: " يسقط مائة ألف حديث " كما في (سؤالات الحاكم) (319).
" لم أدخله في التصنيف" أي: لا يعتبر به, وذلك لأنَّ الحديث الذي يدخل في التصنيف: إمَّا للأحتجاج به, وإمَّا للأعتبار به. وأبو حاتم لم يدخله فيكون: لا يعتبر به, فضلا عن الأحتجاج به.
فأبو حاتم لم يمنعه مِنْ كون الربيع ثقة ثبتاً أنْ يحكم على روايته بالنكارة الشديدة.
وتذكَّر اعتراض فقيه علل آخر الزمن على الحافظ الدارقطني في نحو هذا , عندما قال الدارقطني: " وليس هذا الحديث في مصنفات حماد بن سلمة" اهـ.
ففضح نفسه - تقليداً للشيخ أحمد الغماري في (الهداية) (1/ 306) – فقال في (2/ 148): " لا يلزم من عدم وجود الحديث في مصنف حماد أن لا يكون من حديثه, إذ أن حديثه غير محصور في مصنفه" اهـ.
وتناقض فقبل قول ابن حزم , وهو مثل قول الدارقطني, فقال في (4/ 352): " قال أبو محمد ابن حزم في المحلى (2/ 271):
" وأمَّا حديث حماد بن سلمة , عن الأزرق بن قيس, عن ذكوان , عن أم سلمة فحديث منكر, لأنَّه ليس هو في كتب حماد بن سلمة" اهـ.
ولم يعترض كما أعترض على الدارقطني الذي وصفه بقوله في (3/ 237): " قال الإمام الحافظ العارف بالعلل الدارقطني ...... " " اهـ.
واعترض هناك وسلَّم واستشهد بقول ابن حزم هذا لتحقيق الغاية فياحسرة على دار البحوث بدبي.
ويوضح هذا ويثبته:
** قال ابن هانيء في (مسائل الإمام أحمد) (2/ 167/رقم 1925 و 1926): " قيل له: فهذه " الفوائد" التي فيها المناكير, ترى أن يكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبداً منكر.
قيل له: فالضعفاء؟ قال: قد يحتاج اليهم في وقت.:كأنَّه لم ير بالكتابة عنهم بأساً." اهـ.
المنكر أبداً منكر: أي: المنكر لا يكتب للاعتبار به لأنَّ المنكر خطأ, والخطأ لا يعتبر به, وقد سبق نقل قول الشيخ ناصر الدين الألباني مِنْ (صلاة التراويح) (ص57): " فثبت أنَّ الشاذ والمنكر ممَّا لا يعتد به ولا يستشهد به, بل إن وجوده وعدمه سواء!." اهـ.
وذلك لأنَّ الحكم بالنكارة والشذوذ تكون بعد جمع الطرق والنظر فيها, وبذلك يتحقَّق الخطأ أو يغلب على الظن الخطأ.
قد يحتاج إليهم في وقت: أي: يكتب حديثه كما قال ابن هانيء لأنَّ مَظِنَّة وجود الخطإ في روايته إنَّما بسبب ضعف حفظه ونحوه فيزول بما يجبره.
¥