لماذا تستخدم ألفاظ الحديث وتشتق منها أحكام شرعية وأمور عقدية رغم أنها قد تكون من تعبير الصحابي أو التابعي أو من يليهم من الرواة وليست التعبير الحرفي عن ما قاله الرسول وهذا لأن الراوي فهم معنى معين وحفظ ألفاظا معينة قد يعبر عنها بألفاظ أخرى من عنده مع مرور الأيام وتعدد الرواة في سلسلة الإسناد ولهذا فإن الاستدلال بلفظ الحديث مع تطرق الاحتمال أنه ليس من لفظ النبي يجعل الاستدلال غير مستقيم
أقول و بالله التوفيق:
أنت تسأل عن علة أمرٍ سبق أن أجبتك عليه في المشاركة السابقة , وسألخص لك الجواب - إحساناً بالظن لا أكثر - فأقول: هل تدعي بأنه لا شيء من ألفاظ العربية يصلح للدلالة على معنى تدلُ عليه ألفاظ أخرى , كالمترادفات , و كالجمليتين الدالتين على نفس المعنى؟
فإن قلت نعم أنكر ذلك , قطعنا معك الحوار , إذ هذه عندنا من البديهيات التي لا ينكرها إلا معاندٌ نقاشه مما نترفع عنه.
و إن قلت: بل في اللغة من الألفاظ والجمل ما يصلح أن يدل على معنى واحد , قلنا: فإن من شرط الحديث الصحيح و الحسن سلامته من الشذوذ والعلة في المتن , و ما أشترط ذلك إلا لأن وقوع الشذوذ أو العلة في المتن دليل على وهم أحد الرواة , فالرواة وإن كانوا قد إتصفوا بالعدالة والضبط , إلا أن هاتين الصفتين لا تثبت لهم العصمة من الخطأ , فأحتيج إلا إشتراط السلامة من العلة والشذوذ لهذا المعنى!.
وقوله:
رغم أنها قد تكون من تعبير الصحابي أو التابعي أو من يليهم من الرواة
أقول: " قد " هذه لايبنى عليها أثر , وهي و مثيلاتها ما عنيتها بقولي أنه يوقع الممكن موقع الراجح بلا برهان , فالممكن و إن كان لا يستحيل صدقه على الدوام , أعني لأن صدقه في الآن محال لصدق نقيضه و النقيضان لا يجتمعان - اللهم أن يكون قرأ للملحدة قولاً أخراً - و مع هذا جاز صدق الممكن في زمن آخر , بأن يتبن له صدقه بعد أن توهم كذبه.
فتبين أنه لابد له من مرجح ,يقلب له الصادق كاذباً , والممكن واجباً , فأنا مثلا من الممكن في حقي أن أقتل رجلاً - فذلك ليس محالاً كوجودي في مكانين في زمن واحد - و مع هذا لا يصح لأحد من العقلاء إتهامي بجريمة قتل!! , لا لشيء إلا أنه ممكن وليس بمحال!.
فإذا ظهر له ذلك , فمن أين له أن الأحاديث النبوية ما هي إلا ما فهمه الرواي , وليست كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , و إذا كانت رواية معنى , أنها لم تصب المعنى المراد؟.
فإن قال: الأحاديث التي مثلت بها , ألا تكفي للبيان؟
قلت: لا يصح لعاقل أن يصدق الحكم المعلق بفردين اثنين , المعمم عليهما إلا بدليل يدل على شمول الحكم لكلا الفردين بلا إستثناء , ولا يصلح لهذا الغرض - أعني التعميم - من الأدلة العقلية إلا دليلين: الإستقراء التام , والقياس على العلة المشتركة بين جميع الأفراد.
و ليس إتيانك بحديثين إستقراء بإتفاق , و زعمك أن طول السنين مما يؤثر ممنوع , لما سبق بيانه من أن في اللغة ما يصلح للدلالة على نفس المعنى , و هو أمر من الجلي أنه لم يفهمه بعد , كما أشرت إليه في أول الجواب , و كذلك لأن الرواية بالمعنى ليست مما يؤدي به كل الرواه حديثهم , بل نُقل عن بعض فضلائهم من الصحابة كابن عمر , والتابعين كابن سيرين - نوَّر الله قبورهم - وغيرهم , عدم إستجازتهم للرواية بالمعنى , و حتى الذين يستجيزونها - وهو الراجح - لا يلزم من ذلك روايتهم الحديث بالمعنى أبداً! , فالذي يجيز لحم الضب - مثلاً - لا يلزم أن يكون الضب فطوره وعشائه وغدائه دائماً! , وعلى ذلك فقس.
و أما ما مثلت به - حفظك الله من كل مكروه - , من حديث قطع الصلاة بمرور المرأة , وحديث عقبة , فإني لا أجد عيباً و لا غضاضة في قولي: لا علم لي بأرجح " الألفاظ " , وهذا لا يؤثر في أصل الحديث إلا عند من يعتقد تساويها من حيث قوة الإسناد , وهذا أمر لا يصح لأحد القول به إلا إذا خرَّج هذه الأخبار , و وقف على عللها و أحوال رواتها , ولست من أهل هذا الشأن.
و إذا كان هذا لا يؤثر في أصل الخبر الذي يتضح بالترجيح بين الرواة , والنظر في علل الخبر , فمن باب أولى لا يتعدى أثره على السنة النبوية كلها!.
¥