تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: لأن الخبر في أصله يعتبر آحادا، فإذن هذا لا يتحقق فيه شرط التواتر.

من هنا -يعني- يمكن أن نأخذ ما يترجح، وهو أنه لا بد من النظر في عدالة رجال الأسانيد التي تروى بها الأحاديث المتواترة، فلربما جاءنا حديث مثلا من مائة طريق، لكن هذا الحديث كل طريق من هذه الطرق نجد فيه راويا كذابا أو متهما بسرقة الحديث.

وأشير هنا إلى مسألة سرقة الحديث، وهي مسألة مهمة، فهناك كثير من الرواة الذين يضعون الحديث نجد في تراجمهم التهمة بسرقة الحديث، فيكون هناك حديث من الأحاديث يرويه راوٍ واحد في الأصل، وهذا الراوي مُضَعَّف.

لكن لأجل أن هذا الحديث يناسب أهواء بعض الفرق المبتدعة -مثلا- كالروافض، فتجد أنهم ينشطون، فيكثر رجالهم الذين يروون هذا الحديث عن شيخ ذلك الراوي الضعيف، فلربما جاءنا مثلا مائة، كلهم يروون هذا الحديث عن شيخ ذلك الراوي الضعيف، لكن لو نظرت في كل واحد من هؤلاء المائة، فإما أن تجده مجهولا لا يُعرف، وإما أن تجد العلماء يتكلموا عن أنه يسرق الحديث.

معنى سرقة الحديث أنه فعلا لم يسمع هذا الحديث من ذلك الشيخ، ولكنه عرف أن ذلك الراوي الضعيف قد حدث بهذا الحديث عن ذلك الشيخ، فنسبه لنفسه، فزعم أنه يرويه -أيضا- عن ذلك الشيخ، بمعنى: أنه تابع ذلك الراوي الضعيف، وبهذه المتابعات يمكن أن يتقوى الحديث.

فعلماء الحديث كانوا حذرين جدا من مثل هذا التصرف، ولعل -يعني- الذي يريد مثالا على هذا يراجع كلام مثل ابن حبان وابن عدي والعقيلي وابن الجوزي على حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها

فهذا الحديث مداره على أبي معاوية، وهو محمد بن خازم الضرير، يرويه عن الأعمش، لكن من الذي رواه عن أبي معاوية؟

رواه راوٍ اتهمه بعض العلماء بالكذب ووضع الحديث، ويقال له: أبو الصلت عبد السلام بن صالح، فهذا الراوي هو بلاء هذا الحديث.

ثم جاء الروافض، فسرقوا هذا الحديث من أبي الصلت، هذا وكلهم يزعم أنه يروي هذا الحديث عن أبي معاوية محمد بن خازم، واجتمع من هذا العدد كم كثير، حتى إن بعضهم هو شيخ ابن جرير الطبري.

فيذكر ابن جرير الطبري يقول: حدثني فلان عن أبي معاوية، ثم يذكر ابن جرير يقول: فلان هذا لا أعرفه، شيخك يا ابن جرير ولا تعرفه!! كيف تروي عن شيخ لا تعرفه؟!

نقول: نعم؛ ولذلك هذا هو الذي يدعو دائما من يتحفظ في مسألة الجهالة إلى التحفظ هو أن هناك من المجاهيل من قد يسرق الحديث من راوٍ آخر، أو لا تُعرف عدالته، أو حتى ضبطه، فهذا الذي يدعوهم إلى عدم قبول أحاديث المجاهيل.

فإذن، من هنا نستخلص أنه لا بد من معرفة -على الأقل- عدالة الرواة الذين يروون تلك الطرق.

أما الضبط فيمكن أن يُتسامح فيه؛ لأنه إذا جاءنا الحديث من طرق متعددة، فكل واحدة من هذه الطرق تؤيد الأخرى وتعاضدها، فيتقوى الحديث بمجموع هذه الطرق، فإذا كثرت كثرة ظاهرة بلا شك أن الحديث يفيد العلم في هذه الحال.

هناك -أيضا- الشرط الثاني، وهو أن تكون الكثرة في جميع طبقات السند، ذكرنا ما على هذا الشرط من المؤاخذة، وهو أن إحدى طبقات السند هي طبقات الصحابة، والصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يجب ألا يخضعوا لمثل هذه القيود، وبخاصة ما يقال من إحالة العادة تواطؤهم على الكذب؛ لأنه لا يتصور في الصحابة أن يكونوا كغيرهم من رواة أي خبر من الأخبار.

فالصحابة -رضي الله تعالى عنهم- معدلون بتعديل الله -جل وعلا- ونبيه -صلى الله عليه وسلم- لهم، فإذن هم فوق مثل هذا التعريف.

فمن اقتنع بمسألة التواطؤ فينبغي أن يُنَحِّي الصحابة عن هذه اللفظة المستبشعة، وهي أن يقال إن هذه اللفظة أيضا يمكن أن تشمل حتى الصحابة، حتى وإن كان -يعني- بحثهم يشمل حتى صحابة، لكن نحن يجب أن نكون حذرين من الانزلاق في مثل هذه المتاهات.

أما الشرط الذي يليه، وهو أن يفيد خبرهم الحس، أو أن يكون مصدر خبرهم الحس، فكما قلنا في الليلة البارحة يقصدون بالحس ما كان مستندا إلى أحد الحواس الخمس: إما السمع، أو البصر، أو الذوق، أو اللمس، أو الشم، أو ما إلى ذلك.

والكلام هنا عن أي خبر يرد، لكن أما الحديث النبوي فإنما يكون ببعض الحواس لا فيها كلها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير