تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه الأوقات -أيها الأخوة- إذا لم يعمرها الإنسان بطاعة الله -جل وعلا- فقد يخشى عليه أن تحرى بالباطل، واقتناء فرص العمر من عادة الناس الذين يوصفون بالحزم، ولكم في سلفكم الصالح قدوة أيها الإخوة، فإنهم -رضي الله عنهم ورحمهم- ضربوا أروع الأمثلة في اغتنام الفرص واستغلال ساعات العمر، في كل ما من شأنه الفائدة، وتكثير الأعمال الصالحة. الحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: "يا ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة فكلما انقضى يوم انقضى بعضك" ولعلكم تذكرون أن بعض العلماء المشهورين كثر تصنيفهم، بحيث أصبح مضرب المثل، مثل ابن جرير الطبري وابن الجوزي وابن عقيل وغيرهم، ولم يتحصل لهم ذلك إلا بسبب حرصهم على شغل الأوقات بطلب العلم وتعليمه وبذله في الناس، ولست بحاجة إلى تذكيركم ببعض القصص في هذا، فالذي يظهر لي أنها تتكرر على مسامعكم مرارا وتكرارا كقصة ابن جرير الطبري مع طلابه، حينما ألف تفسير القرآن، وحينما ألف تاريخ الأمم والملوك.

وهذان الكتابان اختصرهما ابن جرير الطبري إلى مقدار الثلث، أو ما هو أكثر وكذلك ابن الجوزي -يعني- كثرت مصنفاته بسبب حرصه على شغل الأوقات، وهو الذي يقول، يعني من قصصه في شغل أوقاته بأمور نافعة أنه أحيانا يبتلى ببعض الناس الذين لا بد من معاشرتهم، فبعضهم إما قريبه، أو جاره، أو ما إلى ذلك، فلا يستطيع ابن الجوزي التخلي عن معاشرة هؤلاء الناس، ولكنه كان يدافعهم بقدر المستطاع.

فإذا جاءه الواحد منهم يريد الزيارة، قال: أنا مشغول أنا كذا أنا كذا، المهم حتى يجد أنه لا بد من تلك الزيارة، فيعد العدة لتلك الجلسة -أيضا- لا يجعلها تفوت عليه، فيجد أنه في حال تأليفه لا بد له من أوراق تطبع، فعندهم ليست المسألة كما هو الحال عندنا الآن، الدفاتر والأوراق جاهزة ومقطعة والقلم، يفتح الغطاء، ويكتب على طول، لا، الواحد منهم كان هو الذي يجهز حبره لنفسه، وهو الذي يبري أقلامه، وهو الذي يصنعها، وهو الذي يقطع الدفاتر، وهو الذي يجلدها، يحزمها، وكل هذا يحتاج إلى وقت، لكنه لا يحتاج إلى إعمال ذهن وفكر، هذه لا تحتاج إلى فكر.

فكان ابن الجوزي -رحمه الله- يجعل هذه الأشياء تستغل في تلك الأوقات، التي لا تحتاج إلى إعمال فكر، فتجده أمام الجالس، أهلا حياك الله، كيف حالك؟ وهكذا، وهو يشتغل، يده تشتغل، وهو يخاطب جليسه.

فإذا هو ما فوت شيئا من ساعات عمره، وتجده يعجب من بعض الناس الذين أنعم الله -جل وعلا- عليهم بنعمة المال، ودائما الذي ينعم عليه بنعمة المال، ويرزقه الله -جل وعلا- استغلال الوقت هو الذي يظفر بالكثير من الأوقات أكثر من غيره، فيجد أن بعض الناس أنعم الله عليه بنعمة المال، فهو ليس في حاجة إلى التكسب، وإلى تضييع الأوقات بالبحث عن المال الذي يقيم أوده، لكن هؤلاء ما بصرهم الله -جل وعلا- بشرف العمر، فيتعجب منهم، والواحد منهم يجلس في الأسواق يتتبع أسعار الغلاء وأخبار الملوك والسلاطين.

فيقول: علمت أن الله -جل وعلا- لم يطلع شرف العمر، أو لم يبصر بشرف العمر إلا من وصفه الله -جل وعلا-: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فعلى كل حال، من أراد -يعني- أخبارا في هذا، فليراجع كتابه صيد الخاطر؛ فإن له فيه لفتات جيدة، أقول هذا؛ لأنكم الآن -والحمد لله- يعني .. في سعة من الوقت في هذه العطلة، ويمكن الغالب والكثير منكم عنده هذه الإجازة، فما دمتم استغللتموها لطلب العلم، فهذه -والله- مفخرة، وأي مفخرة! وشرف، أي شرف! وبخاصة من كان قدم من خارج هذا البلد، فهذا يذكرنا حقيقة -وأحيانا الذكرى مسلية- يذكرنا بأخبار العلماء الأوائل الذين كان الواحد منهم يضرب أكباد الإبل إلى بلدان شتى، كل ذلك في طلب حديث من الأحاديث، أو فائدة من الفوائد، أو لقي شيخ من الأشياخ: الرحلة في طلب العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير