تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إما أن يفسره بعلم، أو يفسره بجهل، إذا كان يفسره بعلم، فمعروف بأنهم كانوا أول ما يفسرون كتاب الله -جل وعلا- بكتاب الله نفسه، فلربما كانت آية فيها إجمال ورد مفصلا في آية أخرى، فخير ما يفسر به كتاب الله في كتاب الله، ثم الدرجة الثانية في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم الدرجة الثالثة بما ورد عن الصحابة، ثم بعدهم التابعين. لكن لو نظرنا لهذه الأمور لثلاثة: ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما جاء عن الصحابة والتابعين، وإذا به لا بد أن يكون مرويا بالسند، وهذا السند إما أن يصح، أو لا يصح، فإن صح السند، فلا يمكن الحكم على الحديث، أو الأثر بالصحة إلا من جراء علم الحديث، مصطلح الحديث. وإن لم يكن الإنسان مؤهلا لانتقاء الصحيح من السقيم واختياره والتفسير به، فإنه -بلا شك- سينسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله، وسينسب إلى الصحابي ما لم يقله، وسينسب إلى التابعي ما لم يقله، ومن هنا يقع الإشكال، فلو أن يعني الأحاديث والآثار ميز صحيحها من سقيمها لتقلصت دائرة الخلاف إلى حدٍ كبير جدا؛ لأن ما لا يصح نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى صحابي، أو تابعي هو الذي يشكل كثيرا من الخلاف دائما.

فإذا نسب قول إلى الصحابي، فإنه يشكل رأيا من الآراء، لكن لو أن هذا القول، أو هذا الرأي عرف أنه غير صحيح، لأبعد من الساحة، ولما أصبح هناك توسيع لدائرة الخلاف، فعلى كل حال المفسر لا يستغني عن علم الحديث.

الفقيه لا يستغني عن علم الحديث، الفقيه هو الذي يقول للناس: هذا حلال، وهذا حرام، وافعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا، والحكم في المسألة الفلانية كذا، والحكم في المسألة الفلانية كذا، فإذا كان هذا الفقيه حاطب ليل: لا يعرف صحيح الأخبار من سقيمها، فإنه -بلا شك- يحلل ما حرم الله، وسيحرم ما أحل الله، إذا لم يكن متبصرا بهذا الأمر، ومن هنا يقع الإشكال لكثير من مقلدة المذاهب، الذين الواحد منهم تجده يستدل بالحديث الضعيف، ويبني عليه أحكاما، ويبني على تلك الأحكام المستنبطة أقيسة يقيس عليها، وهكذا تجد أن ما بني على الباطل، فهو باطل، سلسلة متواصلة الحلقات. لكن لو أجهز على المسألة من الأصل، بحيث صح الأثر من حديث، أو غيره، فهو الذي عليه العمدة، لم يصح يستبعد، وترجع المسألة إما إلى أصلها، أو إلى حديث، أو أثر آخر. كذلك -أيضا- الأصولي يقعد قواعد أصولية، وهذه القواعد مستمدة من نصوص شرعية عدة، لكن هذه النصوص الشرعية، إما أن تكون من كتاب الله -جل وعلا- وهذا لا مجال للكلام فيه، وإما أن تكون من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أثر عن صحابي، فبالتالي لا بد من النظر -أيضا- في صحة ذلك من عدمها. المؤرخ إذا لم يكن عارفا بطريقة تمييز الأخبار، فإنه -بلا شك- سينسب بعض الحوادث إلى أناس معينين، ولأضرب لكم مثالا على ذلك:

القصة التي تروى في تحكيم الحكمين: أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- تعرفون أن هذه القصة اشتهرت، وانتشرت عند الناس، وفيها نسبة الخديعة والمكر لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحاشاهم من ذلك، حينما يقولون: إن عمرو بن العاص خدع أبا موسى الأشعري -رضي اله تعالى عنهما- حينما خلع الخاتم، وقال أبو موسى: أنا أخلع صاحبي، كما أخلع هذا الخاتم، وقال عمرو بن العاص: وأنا أثبت صاحبي كما أثبت هذا الختم، فكانت خديعة من عمرو بن العاص.

هذه القصة لا تصح، ولا تثبت، لكن انطلت على من؟ انطلت على الذين لا يميزون، لكن الصحيح هو ما رواه حصين ابن المنذر -رحمه الله تعالى- وهو أن الحكمين كليهما، اتفقا على خلع علي ومعاوية؛ لحقن دماء المسلمين؛ ولذلك يعني: من شواهد هذه القصة أن ما أحد لا معاوية ولا علي طالب بتحكيم ما اصطلح عليه الحكمان، كل منهما بقي في مكانه ورضي بما وقع تحت يده من الممالك.

وهذا هو أقوى شأنًا، وإلا لو كان -فعلا- الأمر كما صُوِّر من خلع أبي موسى لعلي، وإثبات عمر لمعاوية، لأصبح معاوية يطالب بنتيجة الصلح الذي اتفقا عليه، لكن لم يحصل شيء من المطالبة إطلاقا، وهذا دليل على صدق ما حكاه حبيب بن منذر.

وهذه الحكاية -كما يقول القرطبي -رحمه الله- في "العواصم"-: إنه رواها الدارقطني بسند صحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير