تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ابن خزيمة -رحمه الله- هو صاحب كتاب "التوحيد".

ابن منده -رحمه الله- هو صاحب كتاب "الإيمان".

وغيرهم كثير، كلهم ممن ألف في هذا العلم وفي علوم أخرى.

أيضا لو نظرنا للواحد منهم، فنجده لم يقصر نفسه على علم الحديث مجردا، هكذا مجرد نقل للأحاديث؛ بل تجد الواحد منهم يُعْنَى بالناحية الفقهية، ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يجمع بين الحديث والفقه، ومتى ما جمع الإنسان بين الحديث والفقه فإنه يصبح -يعني- آية من الآيات في العلم، وفي قوة الحجة.

فبلا شك أن من طلب علم الحديث -كما يقول الشافعي -رحمه الله-: "قويت حجته" وأي حجة أقوى من أن تُذكر مسألة من المسائل للإنسان فيقول فيها بآية أو حديث؟ بخلاف إنسان يُعمل رأيه، والرأي قد يصيب وقد يخطئ، لكن الذي معه أثارة من العلم فبلا شك أن حجته أقوى من حجة غيره.

لو نظرنا -مثلا- للبخاري -رحمه الله- فهو من قمم المحدثين، لكن مع ذلك كتابه حافل باستنباطات فقهية دقيقة شكلت مذهبا مستقلا للبخاري، بحيث إذا ذُكرت مسألة من المسائل قيل: وقول البخاري فيها كذا وكذا، وتجد قول البخاري مستندا إلى حديث أو أثر. يظهر هذا واضحا من تبويباته الفقهية الموجودة في كتابه "الصحيح".

وغير البخاري كثير من الأئمة الذين برزوا في هذا الجانب؛ لكن ذكرت البخاري لأن كتابه متداول في أيدي الناس، وهذه الخصلة واضحة في كتابه جدا.

بقي أن أشير إلى أن هناك من يحتقر المحدثين، والسبب الصراع الدائم أحيانا بين الفقهاء وبين المحدثين، وأقصد بالفقهاء: الذين يطلبون الفقه للفقه مجردا عن الدليل، وهو الفقه المذهبي، فمثل هؤلاء تجدهم أحيانا يصتنعون بعض الحكايات والأخبار التي فيها ازدراء للمحدثين؛ بحجة أن المحدث إنما هو كالصيدلي الذي يُحضّر الدواء، لكن الفقيه هو الفقيه الذي كذا وكذا و كذا، ويبدءون يذكرون من مآثر الفقهاء.

والحقيقة أن إحداث مثل هذا الصراع بين المحدث والفقيه هو خاضع لشيء من الهوى، وإلا الإنسان المنصف يعرف أنه لا غنى للفقيه عن الحديث، ولا غنى -أيضا- للمحدث عن الفقه.

فما هي الثمرة من رواية الأخبار؟ هل هي مجرد -مثلا- حفظ أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط؟ لا، لا بد له من ثمرة، والثمرة تتمثل في العمل الذي ينبني على هذه الأحاديث والآثار المروية.

العمل مسألة تستنبط، حكم فقهي يذكر، مسألة ترد يحتاج الأمر فيها إلى أن يعرف الحكم فيها: هل هو حلال أو حرام؟ وهل يفعل الإنسان كذا أو يفعل كذا؟ كل هذا مربوط بهذا المتن المروي بذلك الإسناد.

فينبغي لنا أن ندع جانبا كل هذه الترهات التي تذكر في النزاع بين الفقهاء والمحدثين، ونعرف أنه لا بد لنا أن نربط الفقه بالحديث، ففقيه يتنحى عن الحديث نقول له: أنت على جانب من الخطأ، ومحدث يتنحى عن الفقه نقول أيضا: أنت على جانب من الخطأ، لكن خطأه ليس كخطأ الآخر، لماذا؟ لأن الآخر يتكلم في مسائل بحلال أو حرام، والكلام في أمور الشرع بحلال أو حرام هو من التقول على الله -جل وعلا-.

فإما أن يكون الإنسان مستندا على أثر صحيح، فبالتالي يكون قوله هذا له من الوجاهة ما له، وإما أن يكون غير مستند على شيء، فهذا يُخْشَى عليه أن يكون داخلا في قول الله -جل وعلا-: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

والذي يريد أن يقول على الله بعلم لا بد أن يكون هذا العلم مستندا إلى كتاب الله -جل وعلا-، أو ما صح من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يحكون فيما يحكون، يعني مثلا: أن بعض المحدثين جاءته امرأة تسأل عن بئر وقعت فيها دجاجة، فهل ماء تلك البئر طاهر أم نجس؟ فحاد المحدث عن الجواب بقوله: ويلكِ، كيف سقطت الدجاجة في هذه البئر؟ ألا غطيتيها!

وكان هناك أحد الذين برزوا في الفقه حاضرا، قال: فعلمت أنها حيدة، فأخذت المرأة، وقلت لها: الحكم فيها كذا وكذا.

فيقولون: هذا دليل على أن المحدثين لا يعرفون فقط سوى الرواية، ولا يعرفون الفقه، يصنعون مثل هذه الحكايات للتشنيع على أهل الحديث، وكما قلت لكم: العاقل ينبغي أن يربأ بنفسه عن مثل هذه الأمور.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير