لا، ما كان هذا المنهج موجودًا عند المسلمين إطلاقًا، وإنما دخل هذا المنهج بعد أن عربت تلك الكتب اليونانية فعرف من قرأ فيها أن الفلاسفة، وأهل الكلام يذكرون ما يسمى بخبر الآحاد، وأنه هو الذي يدعو ضرورة إلى العلم، وأن العقائد لا بد أن تبنى على علم يقيني ولا تبنى على علم ظني وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا وبالتالي قالوا: إن هذه الأحاديث التي تسمى أحاديث آحاد، وهي التي لم تصل إلى درجة التواتر حتى ولو رواها عشرة من الصحابة بأسانيد صحيحة إليهم وعندهم لم تصل إلى درجة التواتر فهي مرفوضة في باب الاعتقاد.
ولذلك لا غرابة أن نرى المعتزلة يرفضون أحاديث الشفاعة ولا تجدهم أيضًا يقبلون الأحاديث التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بضرورة طاعة ولاة الأمر حتى وإن تلبسوا ببعض المعاصي ما لم يصل الأمر إلى درجة الكفر البواح لماذا؟ لأن مثل هذه الأحاديث تصادم أصول أولئك المعتزلة فإنهم أصَّلُوا أصولًا خمسة مثل: العدل ويقصدون به نفي القدر، ولذلك الأحاديث التي تثبت القدر، وهي تنافي هذا الأصل تجدهم يرفضونها بحجة أنها أحاديث آحاد.
والتوحيد ويقصدون به نفي صفات الباري -جل وعلا- ولذلك إذا جاءهم حديث يثبت صفة من الصفات التي أنكروها رفضوا ذلك الحديث بحجة أنه حديث آحاد مثل ما مثلت لكم بحديث الجارية التي سألها النبي -صلى الله عليه وسلم- أين الله؟ قالت: في السماء فهذا الحديث يعتبر سيفًا مسلطًا على رءوس المعتزلة؛ لأنه يثبت علو الذات للباري -جل وعلا- فهم حينما يستدل لهم بكتاب الله -جل وعلا- مثل وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
وأمثال تلك الآيات يقولون: نعم لكن هذا علو قهر، وليس علو ذات فيفرقون بين علو القهر وبين علو الذات فيقولون: إن الله -جل وعلا- يعني بقوته وغلبته هو عالٍ على الناس لكن ليس المقصود علو ذاته -جل وعلا- بحيث نقول: إنه سبحانه في السماء وإنه مستوٍ على عرشه دائمًا من خلقه يقولون لا، لا نقول هذا الكلام.
طيب حينما تأتيهم بهذا الحديث وتقول: إن المقصود بهذه النصوص هو علو الذات؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما سأل الجارية أشارت إلى السماء وقالت في السماء، فهذا لا يستلزم إلا علو الذات وهم أناس أهل لغة يعرفون مدلول هذا اللفظ فحين ذاك يقولون عن هذا الحديث إنه حديث آحاد ولا نقبله، فيرفضونه حتى وإن كان موجودًا في صحيح مسلم، فلا يقبلون هذا بهذه الحجج العقلية.
كذلك أيضًا مثل الأصل الآخر عندهم، وهم إثبات الوعد والوعيد، فهم يحكمون على مرتكب الكبيرة بأنه خالد مخلد في نهار جهنم، اللهم إلا أن يتوب.
وأهل السنة يقولون: مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه لكن سيأتي عليه يوم من الأيام، ويخرج من نار جهنم بعد أن يُمَحَّص من ذنبه، المعتزلة لا يقولون بهذا القول حينما تورد عليهم أحاديث الشفاعة التي تصادم هذا الأصل الذي أصَّلُوه يرفضون أحاديث الشفاعة بحجة أنها أحاديث آحاد.
وهكذا أصلهم الآخر، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لفظ براق لكن تحته السم الزعاف ماذا يقصدون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقصدون به الخروج به على أئمة الجور، وحينما تورد عليهم أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك
فهم لا يقبلون مثل هذا الحديث بحجة أنها أحاديث آحاد، وهكذا يعني على هذا الدواليك، يمكن أن تأتي بأي مسألة تصادم أي أصل من أصولهم فيجرون عليها هذا المجرى المعتزلة تأثر بهم الأشاعرة، وإن كانوا توسطوا بينهم وبين أهل السنة فأثبتوا بعض الصفات التي نفاها المعتزلة لكنهم هم أفراخ المعتزلة، فالأشاعرة هم الذين -وللأسف- غلب منهجهم على كثير من بلاد العالم الإسلامي، وبخاصة في فترة مضت، وأصبح أهل السنة -وللأسف- قلة فهم الذين أكثرهم ألَّفَ في علم الأصول وبحثوا هذه المسائل من هذا المنطلق.
والمنهج الذين يسيرون عليه وهو عدم قبول أحاديث الآحاد في باب الاعتقاد بحجة أنها لا تفيد إلا الظن فإذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هو ممن تأثر بالمنهج الأشعري، لكنه يعني أحسن حالًا منهم نوعًا ما فهو لم يقل بهذا القول على إطلاقه، وإن كان في كلامه ما يشعر بالارتخاء في قبول أحاديث الآحاد على الإطلاق.
¥