نقول: لا، لا نسلك هذا؛ لأننا لو وصفنا الذي رأى هذا الرأى بهذا الوصف للزم منه أن نصف أيضًا من انتقد البخاري ومسلم في بعض الأحاديث وهم أئمة مُسَلَّم لهم في هذا الشأن كالدارقطني وحتى أبو زرعة وحتى الإمام أحمد وابن معين فلو نظرنا في مقدمة فتح الباري نجد الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: إن البخاري حينما ألَّف كتابه عرضه على الإمام أحمد وعلى يحيى بن معين وأبو المعلى بن المديني وشخص رابع لعله ... نسيته في الحقيقة الشخص الرابع فيقول: كلهم سلموا له بالصحة ما عدا عشرة أحاديث فإذن هذه العشرة الأحاديث ما محلها؟
متنازع في إثبات صحتها بين البخاري وبين من خالفه من الأئمة، وعلى هذا فَسِرْ، فهذا الذي يعنيني يدعوني للكلام.
يعني يا إخواني تكتبوا الأسئلة، ونجيب عليها حتى لا يتشتت الذهن.
بالنسبة للقرينة الثالثة: ذكرها الحافظ ابن حجر أنه الحديث الذي يكون مسلسلًا بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبا.
وحقيقة -يعني- قوله حيث لا يكون غريبًا. لا معنى له اللهم إلا أن يقصد مرتبة وسط بين هذه وبين السابقة فحينما يقول مثلًا في السابقة ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة، طيب إذا جاءنا الحديث من ثلاثة طرق وهي صحيحة وأصبح الحديث مشهورًا بهذه الثلاث الطرق الثلاثة طرق، ما الداعي إلى أن نقول: المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبًا، نقول: إن الحافظ ابن حجر يقصد بهذا أنه قد لا يصل لدرجة الشهرة بحيث يكون عزيزًا، فيكون مرويًا من طريقين مثلًا لكن هذين الطريقين ليست كالطرق السابقة، فالطرق السابقة لا يشترط فيها أن يكون الرواة لتلك الطرق من الأئمة المشهورين بل يكتفى فيها بمجرد ثقة الراوي وتوفر عدالته وضبطه.
لكن الأئمة كالشافعي وأحمد ومالك وأمثالهم من الأئمة المشهورين هؤلاء يجعلهم ابن حجر قرينة أخرى يقول: "مثلا لو ورد عندي الحديث من طريقين: طريق يرويها مثلا الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وطريق أخرى يرويها مثلًا عن ابن عمر ابنه سالم وعن سالم يرويه عبيد الله بن عمر وعن عبيد الله مثلًا يرويه سفيان الثوري، وعن سفيان الثوري يرويه وكيع فهذان طريقان مسلسلان بالأئمة الحفاظ.
فالحديث بهذه الصورة يكون عزيزًا -مثلًا- إلى ابن عمر، لكن لو جعلنا صحابيًا آخر غير ابن عمر يكون عزيزًا تمامًا، فالحديث في هذه الصورة يكون عند ابن حجر انضافت قرينة إلى مجرد الصحة بحيث يصبح الحديث بهذه الصورة يفيد العلم النظري فيقول: صحيح أن الحديث عزيز، لكنه ورد من طريقين مسلسلين بالأئمة الحفاظ فما دام أن الحديث بهذه الصورة، وبهذه الجودة في الإسناد نعتبر هذه قرينة تجعل الناظر في هذا الحديث، أو في هذين الحديثين، أو في هذين الطريقين يتحصل عنده شيء يسمى العلم النظري فأفاده علم في قرارة نفسه لكنه ناشئ من جراء النظر فهذه هي القرينة الثالثة عند ابن حجر هل نسلم بهذه القرائن فقط، أو يمكن أن نضيف إليها أشياء أخرى؟
أقول: ينبغي أن نضيف إليها أشياء أخرى فمن القرائن صحة الإسناد مجرد صحة الإسناد بحيث لا يكون فيه مطعنًا من المطاعن نعتبر هذه أيضًا قرينة تجعلنا نقول: إن الحديث يفيد العلم النظري، أقول: مجرد صحة الإسناد بحيث لا يكون فيه أدنى شك في صحته عند أئمة الحديث، هذه تعتبر قرينة يمكن أن تضاف على القرائن السابقة بحيث نقول: إن الحديث بهذه الصورة يفيدنا أيضًا العلم النظري.
طيب، هل يمكن أن نقول: إن حديث الآحاد يمكن أن لا يفيدنا إلا الظن؟ نقول: نعم، يمكن أن يأتي هذا في بعض الأحوال المتنازع فيها، فإذا جاءنا الحديث من طريق واحد مثلًا، وفي بعض رواته كلام، لكن هذا الكلام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، وهو بعض الأقسام التي سيأتي الكلام عليها -إن شاء الله- في الليلة القادمة.
فالراوي الذي خَفَّ ضبطُه هو الذي حديثه حديث حسن، لكن خفة الضبط هذه يعني تجعل الإنسان الناظر في ذلك الحديث لا يتيقن تمامًا أن هذا الراوي قد أصاب في ذلك الحديث، وإلا لحكم على الحديث بالصحة، كذلك أيضًا لو جاءنا الحديث من طريقين كل واحدة من الطرق ضعيفة لكن بمجموع هذين الطريقين أصبح الحديث حسنًا لغيره عند بعض العلماء.
¥