نأتي لمسألة الضبط: قال: ما اتصل سنده بنقل عدل التام الضبط.
ما المراد بالضبط؟ قالوا: الضبط ينقسم إلى قسمين: ضبط صدر، وضبط كتاب. ضبط الصدر اشترطوا فيه أن يكون الراوي حافظًا ضابطًا لحديثه لم يطرأ عليه ما يقدح في حفظه. ما معنى هذا؟ إذا كان الإنسان أعطاه الله -جل وعلا- حافظة إما قوية أو على الأقل يعني مثل بقية الناس بحيث لا تكون حافظة ضعيفة، فهذا يسمونه إذا كان ما يلقى إليه يحفظه ويضبطه هذا يسمونه ضبط صدر أو حفظ صدر، يعني ما يحتاج إلى كتاب.
هذا ممكن يستمر معه حفظه إلى أن يتوفاه الله فهذا هو الضابط لكن أحيانًا بعضهم يبتلى بشيء اسمه الاختلاط يكبر في السن، فإذا كبر في السن خرف حدث عنده اختلال في عقله فاضطربت عليه الأحاديث ففي هذه الحال هم يميزون.
المحدثون لا يهدرون حديث الراوي هذا كله لكن يقولون: ننظر إلى الرواة الذين رووا الحديث عنه هؤلاء الرواة الذين تلقوا الحديث عن هذا الرجل هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام فبعضهم سمع منه الحديث في حال صحة عقله قبل أن يخرف قبل أن يختلط فهؤلاء هم الذين يجعل المحدثون حديثهم صحيحًا، يعتبرون يعني حالة الاختلاط كأنها حالة وفاة، فكأن هؤلاء الذين رووا عنه في تلك الحالة سمعوا منه في حالة حياته الفعلية، وهناك أناس ما سمعوا منه إلا بعدما اختلط بعدما خرف بعدما ضعفت حافظته فهؤلاء عندهم حديثهم ضعيف.
هناك بعض الرواة يسمع من الراوي في حال قوة حافظته في حال صحة عقله وبعدما اختلط فالمحدثون -حيطة لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- - يتوقفون عن قبول حديث هؤلاء ويلحقونه بالصنف الثاني، وهم الذين سمعوا بعد اختلاط لعدم تميز حديثهم.
بعض الرواة لا يتميز حديثهم يعني يختلط لكن لا يعرف من الذي روى عنه قبل الاختلاط ومن الذي روى عنه بعد الاختلاط فعندنا مثلًا من الصنف الأول أبو إسحاق السبيعي اختلط لكن عرف أن مثل شعبة وسفيان الثوري وأمثالهم هؤلاء رووا عنه في حال سلامته فحديث هؤلاء عنه صحيح، لكن مثل سفيان بن عيينة سمع منه بعدما اختلط فحديث سفيان عنه فيه ما فيه من الضعف لكن عندنا مثلًا الليث بن أبي سليم هذا الراوي كما يقول الحافظ ابن حجر اختلط حديثه فلم يتميز فتُرِكَ يعني لم يعرف متى اختلط فما تميز صحيح حديثه من سقيمة فترك حديثه كله فهذا مقصودهم بضبط الصدر.
أما ضبط الكتاب فقد يكون الراوي لم يعطه الله -جل وعلا- قوة حافظة لكنه يستعيض عن هذا بالكتابة فيقول حتى ولو لم تكن حافظته قوية لكن أنا كل ما يقوله الشيخ أكتبه فتجده صاحب كتاب. فهل يكفي هذا أنه صاحب كتاب؟ قالوا لا. بشرط أيضًا أن يعرف أنه صان كتابه لم يسلمه لأحد يلعب فيه أو لم يتطرق إليه الشك في كتابه. كيف؟ بعضهم يتساهل فيدفع حديثه لبعض الطلبة غير الموثوقين فتجد بعضهم يكتب فيه أحاديث لم يسمعها هو في الحقيقة من شيخه فيبدأ يحدث بهذه الأحاديث وكأنه سمعها وهو لم يسمعها.
وبعض الطلاب يكون فيه من نوع العفرته كما نسميه فتجد إما فيه فسق أو يكن ناقمًا على ذلك الشيخ أو ما إلى ذلك فيدخل الموضوعات في كتاب الشيخ يلحقها فيه فيسقط حديث ذلك الشيخ وأحيانًا نفس الشيخ لا يكون له أدنى سبب لكنه يبتلى ابتلاء فبعضهم مثلًا يكون له ابن والإنسان لا ينفك عنه ابنه. ابنه معه في البيت فهذا الابن يأتي بكتاب والده فيدخل فيه الموضوعات وهذا الوالد عن سلامة نية يأتي فيحدث هذه الأحاديث وكأنه سمعها؛ لأنه لا يحفظ حفظه حفظ كتاب فيحدث بهذه الأحاديث وكأنه سمعها من شيوخه.
فعلماء الحديث كل هذه يتنبهون له -ولله الحمد- فتجدهم يذكرون أحاديث هذا الراوي وجدوا فيها المناكير بدءوا يتكلمون فيه ويسقطون حديثه مثل قيس بن الربيع. فهو لو نظرتم في ثناء الأئمة عليه في دينه يعني ما فيه مَطْعَن هو إمام في دينه لكن حديثه متروك بسبب ماذا؟ قالوا: لأن ابنه أدخل في كتابه ما ليس من حديثه فحدث به فترك حديثه.
بعضهم يكون له جار سوء مثل عبد الله بن صالح كاتب الليث فجاره هذا يستطيع يقلد خطه فأصبح يكتب الحديث في الرقاع ويرميها في بيت عبد الله بن صالح فهو يظن أن هذه الرقاع من كتبه فيأخذها ويضعها ويحدث بها فأصبح يحدث بالمناكير فأسقطوا حديثه لهذا السبب فهذا كله من نوع عدم ضبط الكتاب.
¥