فتجده في مثل هذا الحديث يقول: "لو وضعته في كتاب الصلاة لما كان لي حجة في وضعه في كتاب الصلاة دون كتاب الزكاة والصوم والحج لكن أنتقي أجمع المواضع وهو كتاب "الإيمان" فتجد مسلمًا -رحمه الله- وضع هذا الحديث في أين؟ في كتاب الإيمان؛ لأن يعني هذه الأمور كلها يمكن أن ترتبط بالإيمان: شهادة أن لا إله إلا الله وحتى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج كلها يمكن أن ترتبط بالإيمان باعتبار أن هذه هي شعائر الإسلام الظاهرة فهذه الشعائر الظاهرة هي التي تدخل في مسمى الإسلام.
كما في حديث جبريل حينما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة. ... إلى آخر الحديث، فهذا هو الإسلام يعني باعتبار الأعمال الظاهرة.
أما من حيث التقديم الحقيقي لأي الكتابين فالصواب تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم وذلك لاعتبارات ذكر خلاصتها الحافظ ها هنا في شرح النخبة ولكنه أصاب فيها إصابة طويلة في كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح" ويعني أنا أشير لكم إشارة؛ لأن الإسهاب في مثل هذه الأمور يعني من اختصاص الكتب المطولة لكن يعني أعطيكم الخطوط العريضة لهذه المسألة.
فإذا ما نظرنا إلى الرجال الذين أخرج لهم البخاري وأخرج لهم مسلم نجد البخاري -رحمه الله- شرطه فنجد شرط البخاري -رحمه لله- في هؤلاء الرجال أقوى من شرط مسلم مثل ما ضربنا لهم مثالًا بالأمس، قلنا مثلًا: إن حماد بن سلمة في روايته عن ثابت لم يحتج بها البخاري لماذا؟ لأن حماد بن سلمة اختلط في آخر عمره.
وأما مسلم -رحمه الله- فإنه اجتهد، وأخرج هذه الرواية فإذن البخاري أكثر شدة من مسلم أو لا أكثر شدة من مسلم فبالتالي الذي يعتبر أكثر شدة معنى ذلك أنه ينتقي أصح الصحيح، ويجتنب ما فيه أدنى كلام، ولذلك تجد الأحاديث المنتقدة على البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة على مسلم.
ويتبين هذا من خلال الإحصائية التي حصلت من انتقاد الدارقطني -رحمه الله- للبخاري ومسلم، فإن مجموع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني على البخاري ومسلم كلها مائتان وعشرون حديثًا يعني لو حصرناها كلها مجموعها مائتان وعشرون حديث لكن هذه المائتان وعشرين، هذه منها أحاديث اتفق البخاري ومسلم على إخراجها، ومنها أحاديث أخرجها البخاري فقط، ومنها أحاديث أخرجها مسلم فقط.
فالأحاديث التي اتفق البخاري ومسلم على إخراجها، هذه الأحاديث استوى فيها البخاري ومسلم فانتهى الإشكال يعني ما لنا دخل فيها، وعددها مائة وعشرة أحاديث هذه نستبعدها. كم يبقى؟ تعرفون الحساب ولا. .. بقي مائة وعشرة أحاديث المائة وعشرة أحاديث هذه لو نظرنا إلى ما انفرد به البخاري وما انفرد به مسلم منها. نجد مسلمًا -رحمه الله- انفرد بثمانية وسبعين حديثًا والبخاري باثنين وثلاثين حديثًا. أيهم أكثر؟ مسلم. إذن الأحاديث المنتقدة على مسلم أكثر من الأحاديث المنتقدة على البخاري، فوضح بهذه الإحصائية وجاهة هذه النقطة؛ لأن البخاري -رحمه الله- يجتنب الرجال الذين فيهم كلام بقدر المستطاع وأما مسلم -رحمه الله- فيجتهد ويخرج بحسب اجتهاده؛ لأنه يرى أن هذه الرواية صحيحة ولا يسعه تركها.
يتضح هذا أيضا في مثل رواية العلاء بن عبد الرحمن كما مثلنا بها أيضًا ليلة البارحة، وغيرها أيضًا رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة كل هذه الروايات احتج بها مسلم لكن لم يحتج بها البخاري.
أيضًا من حيث اتصال السند -هذا من حيث النظر إلى ذات الرواة ضبطهم وما يلحقهم- لكن أيضًا من حيث اتصال السند قالوا: شرط البخاري أقوى في شرط مسلم في اتصال السند ويتضح هذا جليًا فيما يسمى بمسألة المعاصرة واللقيا فمسلم -رحمه الله- يكتفي بمجرد المعاصرة- أعرف أن بعضكم لا يفهم هذا الكلام لكني أبسطه -إن شاء الله- بالأمثلة الآتية: رجلان أحدهما روى عن الآخر. الأول ولد في سنة سبعين للهجرة وتوفي في سنة مائة وأربعين للهجرة -عرفنا التاريخ الآن- طيب هذا هو الشيخ. الثاني ولد في سنة مائة للهجرة وتوفي في سنة مائة وسبعين للهجرة. كم الفترة التي تعاصر فيها هذان الاثنان؟ أربعون سنة التي هي ما بين ولادة الثاني ووفاة الأول.
¥