الأربعون سنة هذه لو حذفنا منها السن التي تعتبر سن الصبا ولنحذف مثلًا خمسة عشر عامًا. كم يتبقى من المدة؟ خمسة وعشرون عامًا، الخمس وعشرون سنة هذه كافية جدًا في أن يسمع الثاني من الأول صح ولا لا، لكن هناك اعتبارات معينة أخرى. فأين موطن الأول وأين موطن الثاني؟ إن كانا في بلد واحد كالمدينة أو مكة أو الكوفة فاحتمال السماع قوي جدًا؛ لأن البلاد في ذلك الزمن كانت صغيرة. ما هي مثل مثلًا الرياض وتوسعها في الوقت الحاضر، مع العلم أنهما لو كانا في الرياض فدواعي السماع أيضًا متوفرة، فكيف إذا كان البلد صغيرًا، بل كيف إذا كان البلد فيها مسجد يجمع الناس كالمسجد النبوي أو المسجد الحرام.
فبلاشك أن مثل هذه الحال تكون دواعي السماع قوية جدًا فمثل هذه الحالة مسلم -رحمه الله- لا يتردد إطلاقًا في اعتبار هذا الرجل سمع من ذاك الرجل، وهذا فيما يسمى بالإسناد المعنعن يعني لو كان الحديث جاءنا هكذا: يقول الراوي الذي ولد في سنة مائة حدثني فلان، يعني الراوي الذي ولد في سنة سبعين انتهى الإشكال هذا ما يتنازعان فيه لا البخاري ولا مسلم ولا غيرهما؛ لأن هذه الرواية صرح فيها بالسماع حينما يقول: "حدثني" فهو لا يكذب. حدثه معنى ذلك أنه سمع منه هذا الحديث بإذنه ولا إشكال.
لكن المشكلة حينما يأتينا الإسناد هكذا: "عن فلان عن فلان" فصيغة "عن" هذه كما سيأتي -إن شاء الله معنا- تحتمل السماع وتحتمل عدم السماع فعندهم يعني بعض القرائن التي يستدلون من خلالها على أن هذا الراوي سمع من فلان.
هذه القرائن البخاري يقول: أنا لا أكتفي فقط بمجرد المعاصرة دون تحقق اللقيا، فلا بد أن يأتيني في إسناد آخر لا بأس أنه يقول، أنا أقبل الإسناد المعنعن هذا لكن بشرط أن يأتيني ما يدل على أن هذا الذي ولد في سنة مائة قد لقي ذلك الذي ولد في سنة سبعين، فإذا وجدت هذا. خلاص يعتبر هذا الحديث عندي الذي جاء بصيغة "عن" متصلًا هذا على الأصل.
طيب: لو لم يرد هذا يا بخاري؟. قال: لو لم يرد أنا أعتبر هذا الإسناد منقطعًا غير متصل، مثلما وصفت لكم السلسلة التي هي متصلة الحلقات.
أما مسلم -رحمه الله- فيقول: لا أنا ليس من الضرورة عندي أن يتحقق اللقيا بل اكتفى باحتمال اللقيا، فإذا وجدت مثلًا أن البلد مثلًا واحد فعندي احتمال اللقيا وارد جدًا وحتى لو لم يكن البلد واحدًا لكن اللقيا محتمل؛ لأن المحدثين كانوا يرحلون في طلب الحديث، وبعضهم كان يرحل أيضًا لتبليغ الحديث، أو لمهام أخرى، فيلتقي به ذلك التلميذ فيقول مثلًا: إذا كان أحدهما في الكوفة، والآخر في مصر، وعلمت مثلًا أن الذي في الكوفة له رحلة علمية إلى مصر فهنا لا إشكال عندي؛ لأن هذه الرحلة العلمية ستكون مدعاة لأن يسمع هذا الراوي من ذلك الشيخ أو يكون ذلك الشيخ الذي في مصر وجد هناك بعض الشيوخ الذين يخشى فواتهم في مثلا بلد الكوفة فرحل إليهم ليسمع منهم، وفي نفس الوقت يُسمع الحديث فهو يسمع من جهة ويحدث أيضًا من جهة أخرى.
ففي هذه الحال أيضًا عند مسلم أن اللقي محتمل جدًا لهذا الراوي من ذلك الشيخ إلى غير ذلك من القرائن التي يجعلها مسلم لكن لو كانت هناك قرينة قوية تجعل مسلمًا -رحمه الله- يحكم على هذا الراوي بأنه ما سمع من ذلك الشيخ، كأن يكون هذا الذي في الكوفة ما عرف أنه خرج من الكوفة إلا للحج، وحجه كان في سنة مائة وخمسين للهجرة يعني بعد أيش؟ بعدما توفي ذلك الشيخ بعشر سنين فمسلم -رحمه الله- يقول في هذه الحال: لا. أنا عندي قرينة تدل على أن هذا الراوي ما سمع من ذلك الشيخ بشرط أن لا يكون ذلك الشيخ قد رحل إلى الكوفة.
فالحال بهذا التفصيل فوضح من هذا أن شرط البخاري في الاتصال أقوى من شرط مسلم، وليس معنى هذا يعني أن هذا هو الراجح على الإطلاق. لا، المسألة خلافية بين العلماء. بعضهم يقول: مذهب مسلم أصح وبعضهم يقول مذهب البخاري أصح.
ويعني قد يسألني بعضكم عن رأيي؟ فأقول رأيي التفصيل، إن كان هناك قرينة يمكن أن تدلل على أن هذا الراوي يمكن أن يسمع من ذلك الشيخ، فأنا أرى أن الأصل الاتصال، وأما إن لم يكن هناك قرينة قوية فأنا أتوقف عن الحكم على الحديث بالاتصال فعندي يعني منهج وسط بين رأي البخاري وبين رأي مسلم -رحمه الله- وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وكل واحد منهم مجتهد، وأيضًا العلماء الذين جاءوا بعد ذلك منهم من تبنى منهج البخاري ومنهم من تبنى منهج مسلم ولاشك أن الأحوط منهج البخاري، ولذلك العلماء قالوا: إن أحاديث البخاري أقوى من حيث الأصحية إلى غير ذلك من الاعتبارات التي -إن شاء الله يعني- ستجدونها في مظانها في حال التطويل.
فأنا أخشى أن تأخذ هذه المسألة علينا وقتنا، ونحن نريد أن نخطو خطوات أخرى أيضًا فنتجاوز هذه وننتقل إلى الحديث الحسن.
قال -بعد ذلك- الحافظ:
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[20 - 09 - 09, 12:49 ص]ـ
ستتم التكملة ان شاء الله وتبدا من صفحة
http://www.taimiah.org/Display.asp?pid=2&t=book25&f=nkh300028.htm
¥