لكن هل هذا التوجيه يسلم له به أولا يسلم؟ أقول: لا يسلم، والتوجيه الصحيح هو ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- في شرح سنن أبي داود وفي غيره، والحقيقة أنني قديم العهد به لكن أتذكر معناه أنه يقول: الجميع كله من الله -جل وعلا- الذي حصل أولاً، والذي حصل بسبب انتقال العدوى فهذا المرض كله من الله، و؛ لذلك لا عدوى يعني: معنى ذلك أن المرض الذي أصاب الأول، والأخير ليس بسبب العدوى كلها أو لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أنه لولا العدوى لما أصيب بالمرض، لكن الأحاديث الأخرى تبين أن الله-جل وعلا- هو الذي أنزل المرض أساسًا.
ثم جعل هذا المرض ينتقل لآحاد الناس الآخرين بسبب العدوى؛ فالعدوى سبب، وليست هي الفاعلة أظن يعني -إن شاء الله- واضح المعنى بناء على هذا.
فكلام ابن القيم هذا هو الذي يحصل به التوفيق بين الأحاديث كلها، أما كلام الحافظ ابن حجر لو قبل في بعض الأحاديث فإنه لا يقبل في بعضها الآخر بالإضافة إلى أن فيه شيئا من الضعف في التوجيه.
ولذلك أولى ما يوجه به الحديث التوجيه الذي يسلم من المعارضة ففعلاً المرض يمكن أن ينتقل بالعدوى لكن لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تعتقد أنه لولا العدوى لما أصابك المرض قد يصيبك المرض أساسًا دون عدوى، وهذه العدوى التي أصابك بسببها المرض ليست هي الفاعلة، وإنما الله -جل وعلا- هو الذي قدر عليك المرض.
ولذلك قد تجد البيت الواحد فيه أناس هذا يصيبه المرض، وهذا لا يصيبه المرض مع العلم أن كلاً منهم يخالط الآخر، ويشرب في الإناء الذي يشرب فيه الآخر، وهذا أمر مشاهد، يعني: تعرفون أن هناك بعض الأمراض كالعنقز أو الحصبة أو ما إلى ذلك، وهذا واضح. أنا في بيتي يقع مثل هذا، بعض الأولاد يصابون بالمرض، وبعضهم لا يصاب، وكل منهم يختلط بالآخر ويحتك به ويشرب في إنائه، ويلتحف بلحافه، وما إلى ذلك.
فالله -جل وعلا- لم يكتب عليه أن ينتقل له المرض بالعدوى، وكتب على الآخر أن ينتقل له المرض بالعدوى مع العلم أن الأساس الذي في البيت قد تجد أنه نزل عليه المرض هكذا بدون أن يخالط أحدًا ممروضا؛ ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فمن أعدى الأول؟ يعني: من أنزل المرض أساسًا هو الله بلا شك.
فهذا مثال لمختلف الحديث الآن ما دام أمكن الجمع بين هذه الأحاديث عملنا بها كلها أو لا؟ عملنا بالأحاديث كلها؛ ولذلك الأولى دائما حينما يأتينا حديثان ظاهرهما التعارض أن نجتهد ما أمكننا الاجتهاد في محاولة الجمع بين الأحاديث؛ لأننا إذا جمعنا بينها فإننا أعملنا جميع أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم نترك شيئًا منها، وهذا هو الأولى، وهو المسلك الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه طالب العلم بادئ ذي بدء، وإمكانية الجمع كثيرة جدًا، يعني: الأوجه التي يمكن الجمع بها بين الأحاديث كثيرة جدًا، فمثلاً: هنا يوجه هذا على حاله، وهذا يوجه على حاله مثلا هناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يحمل كل واحد منها على اختلاف القصة، مثلاً يأتينا أحيانًا بعض الأحاديث التي يفهم منها أن القصة واحدة، وأن الرجل واحد، ويكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره في هذا الحديث بأمر، وأمره في الحديث الآخر بأمر آخر.
فهنا حتى لا نهدر أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها يقال: هذا محمول على تعدد القصة فيكون هذا الحديث في رجل آخر أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأمر، وذلك الحديث في أمر آخر أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بأمر آخر.
فهذه حادثة وتلك حادثة، وتعدد القصة مما دائماً ينفي التعارض بين الأحاديث، وهكذا يعني: أوجه الجمع كثيرة، ويعنى بها دائمًا الأصوليون، أو بعض العلماء الذي تفننوا في هذا مثل الشافعي -رحمه الله- تعالى فإنه ممن برع؛ لأنه فقيه وبرع في التوفيق بين أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي ظاهرها التعارض، وله كتاب "مختلف الحديث" كذلك أيضا ابن قتيبة الدينوري له كتاب " تأويل مختلف الحديث"، وكذلك أيضًا الطحاوي له كتاب " مشكل الآثار".
فهذه الكتب الثلاثة التي تُعنى بهذا النوع من أنواع علوم الحديث، تجمع الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وتحاول أن توفق بينها، فهذا النوع يسمى مختلف الحديث، وهذه الكتب كلها مطبوعة -بحمد الله-. ما عدا "مشكل الآثار" فإنه لم يطبع كاملا حتى الآن.
¥