تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد هذا لو اجتهدنا في هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، ثم حاولنا أن نجمع بينها فما تمكنا لا يزال التعارض باقيًا أو مثلا وجدنا من حاول أن يجمع بينها لكنه جمع فيه تعسف و تكلف؛ لأن يشترط في النوع الماضي الذي هو مختلف الحديث يشترط فيه أن يكون الجمع جمعًا مقبولاً بدون تعسف ولا تكلف، لكن لو وجدنا من تعسف وتكلف في الجمع، أو ما أمكن الجمع بوجه من الوجوه ففي هذه الحال علينا أن ننتقل إلى مرحلة أخرى، ولاحظوا أيها الإخوة أن في هذه الجهود التي يبذلها علماء الحديث احترام لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني: ليس هناك تمرد؛ لأن مثل المعتزلة، وأطرافهم دائمًا يعني: من السهولة بمكان أن يضربوا بالحديث عرض الحائط، وبلا شك أن في هذا خفة في الديانة؛ لأن أهل السنة عندهم مكانة كبيرة جدًا لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فحتى ولو مع وجود هذا التعارض الذي يوحي بأن في الحديث شيئا، قد يكون بعض الرواة أخطأ أو ما إلى ذلك، هم لا يسلكون هذه المسالك، بل يجتهدون ويبذلون وسعهم في محاولة التوفيق بين أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وإعمالها كلها.

ومن هنا نجد اختلاف المنهج فرق بين هؤلاء، وفرق بين أولئك، أولئك يتكلفون في إيجاد شيء يطعن في الحديث يتكلفون تكلفًا كبيرًا جدًا، وأهل السنة يتكلفون في محاولة إبعاد الشيء الذي يطعن في الحديث، ويبذلون قصارى جهدهم؛ لهذا السبب فالآن مثلاً لو وجدوا أنه ما أمكن الجمع بين الأحاديث يسلكون مسلكًا آخر. ما هو هذا المسلك؟ قالوا: يحتمل أن كلا الحديثين قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وثابت عنه، لكن هذا في حال، وذلك في حال آخر، فيكون أحد الحديثين ناسخا والآخر منسوخا، وهذا معروف حتى في كتاب الله -جل وعلا- وهو القائل -سبحانه-: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا وأنتم تعلمون أن هناك عدة آيات بعضها ناسخ، وبعضها منسوخ، فمثلاً عدة المتوفى عنها زوجها أولا كم؟ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ثم نسخ هذا الحكم بحكم آخر: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فهل يمكن أن يقال: إن إحدى الآيتين لا يصح أنها من القرآن؟ لا يصح أنها من كتاب الله؟! لا .. الكل من كلام الله -جل وعلا- لكن هذه كانت في الأول، وتلك كانت في الأخير، وكلها من كلام الله -جل وعلا-.

الناسخ والمنسوخ

فكذلك أيضًا أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون الواحد منها ناسخًا والآخر منسوخًا بسبب يعني: أحوال معينة فيسمى هذا المبحث ناسخ الحديث ومنسوخه.

يقول الحافظ: إذا لم يمكن الجمع بين الأحاديث فالأمر لا يخلو، إما أن نعرف التاريخ أو لا نعرفه. يقول: أو لا وثبت المتأخر فهو الناسخ والآخر المنسوخ. فمعنى ذلك أننا لو عرفنا التاريخ، فهنا معرفة التاريخ تفيدنا جدًا.

الآن عندنا مبحث ناسخ الحديث ومنسوخه نريد أن نعرف ناسخ الحديث ومنسوخه ما هو؟ يمكن أن نعرفه بالتعريف الآتي فنقول في تعريف ناسخ الحديث ومنسوخه:

"هو رفع الشارع حكمًا متقدمًا بحكم آخر متأخر عنه"

يعني: هذا مأخوذ من النسخ، وهو الإزالة حينما تقول: نسخت كذا بمعنى أنك أزلته، فإزالة الحكم المتقدم بحكم آخر متأخر عنه بشرط أن يكون متأخرًا عنه، هذا النسخ أو ناسخ الحديث ومنسوخه للعلماء فيه جهود مضنية أيضًا، ومنهم من برع فيه براعة قوية مثل الشافعي -رحمه الله تعالى- حتى إن الإمام أحمد يعني: كان يثني على الشافعي في هذا الباب يعني: أكثر من غيره، وبلا شك أنه يعني: من الأمور الضرورية جدًا بخاصة لمن يريد أن يتفقه في الأحاديث، وهذا موجود يعني: الاهتمام به من وقت الصحابة -رضي الله عنهم-، فأذكر في حادثة معينة أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مر على رجل، وهو يعظ الناس، ويذكرهم أو يعلمهم فسأله: هل تعرف ناسخ الحديث ومنسوخه؟ فقال: لا. فقال: هلكت وأهلكت.

فلا شك أنه قد يأمر الناس مثلا بأمر منسوخ، أو قد يحلل لهم أمرًا قد نسخ أو يحرم عليهم أمرًا قد نسخ، ونجد أن النسخ يأتي على ثلاثة أقسام:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير