مثلا ذلك الصحابي صرح بأنه تلقى الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما كان في مكة.
فالآن أيضا عرفنا التاريخ لكن الإشكال حينما لا نعرف التاريخ هذا هو الذي نقول: إنه لا يمكن بحال من الأحوال أن نقول: إن الصحابي المتأخر الإسلام حديثه يدل على نسخ متقدم الإسلام.
هناك أيضا من القرائن الأخرى، مثلا لو كان ذلك الصحابي توفي قبل إسلام هذا الصحابي، فمثلا الذي روى الحديث المعارض توفي في السنة السادسة من الهجرة في أحد الغزوات مثل سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فهنا نعرف أن حديث المتأخر مثل أبي هريرة -فعلاً- ينسخ حديث المتقدم، فإذا وجدت قرينة تاريخية تدل على أن أحدهما متقدم والآخر متأخر، فيمكن أن نقول: إن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ.
إي أنا قلت: أنه لو ورد قوله: سمعت في حال ورود قوله: سمعت، أما إذا لم يقل: سمعت فيبقى الإشكال.
لنفرض بعد هذا أيها الإخوة أننا ما عرفنا التاريخ هل أحدهما متقدم والآخر متأخر أو لا فماذا نفعل في هذه الحالة؟.
أقول: إن العلماء أيضا ما تركوا لأحد مدخلا في هذه المسألة، فهناك ما يسمى بأوجه الترجيح، فعندهم وجوه للترجيح بين الحديثين كثيرة جدًا بلغت أكثر من مائة وجه.
أوجه الترجيح هذه يلزم منها أن نجعل أحد الحديثين معمولا به والآخر غير معمول به.
من أوجه الترجيح: كأن يكون أحد الحديثين أقوى من الآخر من حيث الأصحِّية، فمثلا الحديث إسناده صحيح لا مطعن فيه والآخر إسناده حسن، بمعنى أن راويه خف ضبطه قليلا ففي هذه الحالة أيهما أولى بالقبول؟ الصحيح أولى بالقبول من الحسن، فهذا أحد أوجه الترجيح.
من أوجه الترجيح عندهم: أن الحديث الناقل عن الأصل مقدم على الحديث المبقي على الأصل، فمثلا نعرف أن الأصل في الأمور الدنيوية ماذا؟ الإباحة، والأصل في العبادات التحريم فلا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع، وأما الأمور الدنيوية، فكل ما شئت والبس ما شئت واشرب ما شئت ما لم يرد نص يحرم.
يعني: الآن مثلاً الأشياء المعصورة كلها حلال أو حرام؟ يعني: نحن نتحدث الآن على الإطلاق. حلال، لكن هل هناك شيء محرم منها؟ نقول: نعم .. ما أسكر منه فيعتبر محرما، محرم بنص أو باجتهاد؟ محرم بنص من الكتاب والسنة، فإذًا هذا استثني من الأمور المباحة، فإذا وجدنا مثلا حديثًا يدل على الإباحة إباحة هذا الأمر الدنيوي، وعارضه حديث آخر يدل على التحريم فأيهما الذي يقدم من هذين الحديثين؟ لا.
الذي يقدم الحديث الدال على التحريم، يقولون: الحديث الناقل عن الأصل، الأصل الإباحة، فهو ينقل عن الأصل إلى حكم آخر وهو التحريم، يكون الحديث الناقل عن الأصل مقدم عن الحديث المبقي على الأصل لماذا؟ لو تساءلنا لماذا؟ قالوا:؛ لأن هناك قرينة تدل على أن أحدهما متقدم والآخر متأخر.
فالحديث المبقي على الأصل هذا يتفق مع الأصل يعني: معنى ذلك أنه متقدم والحديث الناقل عن الأصل هذا يدل على أنه متأخر عن ذلك. طبعا فيه خلاف في المسألة، لكن يمكن أن ينُظر لهذه المسألة أيضا من منظار آخر فيقال: الحديث الحاظر مقدم على الحديث المبيح يعني: الحديث المحرم مقدم على الحديث المبيح في هذا أيضًا حيطة للدين يعني: حينما نأخذ بهذه القاعدة بلا شك أن فيه حيطة لأديان الناس ما دام أن عندنا حديثان يعني: لا نستطيع نقدم أحدهما على الآخر إلا بهذه الصورة، وهكذا أوجه الترجيح عندهم كثيرة جدًا يعني: فيها كتب ألفت من جملتها كتاب لا أذكر مؤلفه، ولكنه مطبوع، طبع في العراق اسمه "التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية" من أراد فلينظره.
لو فرضنا مثلا أننا ما استطعنا أن نرجح أيضا نظرنا في كل الوجوه التي ذكرها العلماء فما استطعنا أن نعمل وجها من الوجوه في هذين الحديثين اللذين ظاهرهما التعارض، هما متساويان في القوة.
أحد الإخوة سأل قال: يعني: إذا تساويا في القوة، ونحن كنا فصلنا الحديث عن إذا لم يتساويا في القوة، فإذا تساويا في القوة، وما استطعنا أن نعم. ل أحدهما بشيء من الأمور السابقة كلها، وطبعًا هذا يعني: يكاد يكون مستحيلا، لكن دعونا نمشي في الفرضيات، لو وجد حديث بهذه الصورة فيقولون: إننا نتوقف عن الحكم بأي من الحديثين؛ لأننا نفتقد المرجح لأحدهما على الآخر، وعبروا بعبارة التوقف تأدبا مع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعض العلماء قال يتساقط الحديثان.
¥