3 - ذكر المؤلف (ص14) ربيح بن عبد الرحمن، وذكر قول ابن عدي فيه: " أرجو أنه لا بأس به "، وكلمة ابن عدي هذه يستعملها كثير من الباحثين في إثبات أن من قيلت فيه صدوق، وليست هذه الكلمة مفيدة ذلك دائمًا، ونبّه إلى ذلك الشيخ المعلمي (يُنظر: حاشية الفوائد المجموعة، ص35، 459)، والشيخ الألباني، قال -في الضعيفة (3/ 112) -: " ثم إن قول ابن عدي: (أرجو أنه لا بأس به) ليس نصًّا في التوثيق، ولئن سُلِّم؛ فهو أدنى درجة في مراتب التعديل، أو أول مرتبة من مراتب التجريح، مثل قوله: (ما أعلم به بأسًا)، كما في «التدريب» (ص234) " ا. هـ.
وأما قول أبي زرعة: " شيخ "، فلا تدل على التضعيف المطلق، إلا أنها ليست دالة على العدالة، وهي إلى وصفِهِ بالتحمل والرواية مع عدم معرفة الحال أقرب، قال ابن القطان -في بيان الوهم (4/ 627) -: " فأما قول أبي حاتم: «شيخ»، فليس بتعريف بشيء من حاله، إلا أنه مُقلّ، ليس من أهل العلم، وإنما وقعت له رواية أُخذت عنه "، وقد توصل بعض أفاضل الباحثين (وهو الشيخ أبو تيمية إبراهيم الميلي ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=4921)) إلى هذه النتيجة، بتتبع من قيلت فيه هذه الكلمة من الرواة.
فأبو زرعة لم يحكم على ربيح؛ لأنه علم أن له رواية، إلا أنه لا يدري حالَهُ في الضبط.
وتفسير ابن أبي حاتم موافق لهذا، فغير معروف الحال يُكتب حديثه، ويُنظر فيه: فإن وافق الثقات قُبل، وإلا أو تفرد؛ رُدّ.
ولم يعرف الإمام أحمد ربيحًا، قال: " ربيح رجل ليس بمعروف "، وأعلّ به هذا الحديث، وقال -في رواية خطاب بن بشر، كما في شرح ابن ماجه لمغلطاي (1/ 249) -: " ليس الخبر بصحيح، روي عن رجل ليس بالمشهور ".
وأسند أبو عبيد القاسم بن سلام -في كتاب الطهور- حديثًا، ثم أسند هذا الحديث، ثم عقب عليهما بقوله - (ص66) -: " فأما الحديثان الأولان، فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسنادهما ... ، ولِمَا في الآخر من ذكرٍ لرجلٍ ليس يُروى عنه كثيرُ علم "، ويظهر أنه يشير بكلامه هذا إلى ربيح، وقوله فيه كالحكم بجهالته وقلة روايته، ونَقَلَ عن أئمة الحديث أنهم كانوا يطعنون في إسناد الحديث بسببه.
وقد قال المؤلف (ص15) تعليقًا على كلام الإمام أحمد: " فمن عرف حجة على من لم يعرف، وقد عرفه غيره "، وفي قوله هذا نظر بالنظر إلى كلمتي ابن عدي وأبي زرعة، لما سبق من عدم إفادتهما شيئًا في حال الرجل في عدالته وضبطه.
إلا أن تعليقه السابق صحيحٌ بالنظر إلى كلام الإمام البخاري في ربيح، فقد قال فيه -كما في ترتيب علل الترمذي الكبير (ص33) -: " منكر الحديث "، ولم يُجِبِ المؤلف عن قول البخاري هذا إلا بأن قال: " ويغلب على ظني -والله أعلم- أن حكم البخاري -رحمه الله- له اعتبار آخر، بخلاف حال ربيح في نفسه، فقد يكون روى شيئًا رآه البخاري منكرًا، فألصق التبعة بربيح، أو نحو ذلك "!
وهذا غريب من المؤلف -وفقه الله-، فكلمة هذا الإمام هي أصرح ما قيل في الرجل.
والجواب عن جوابه جوابان:
أحدهما: بعدم التسليم بما ذكر، فإن عموم إطلاق البخاريِّ النكارةَ على حديث ربيح لا ينبغي أن يُخصَّ إلا بدليل ظاهر، وليس ثَمَّ شيءٌ من ذلك،
والآخر: على التسليم به، فدلالة الكلمة على الضعف باقية -خاصة في هذا الحديث-، من وجهين:
الأول: أن ألصَقَ روايةٍ من روايات ربيحٍ بحكم البخاري على ربيح: هي هذا الحديث، فقد عقّب الترمذيُّ هذا الحديثَ بنقل كلام البخاري، فأولى الأحاديث بتحميل ربيحٍ نكارتها: هذا الحديث.
الثاني: أن ربيحًا قليل الحديث -كما سبق في تفسير كلمة أبي زرعة وفي نص كلام أبي عبيد، وكما قال ابن عدي بعد أن أسند لربيح نحو ثمانية أحاديث في ترجمته في الكامل (3/ 173، 174): " ولربيح غيرُ ما ذكرت شيءٌ يسير من الحديث، وعامةُ حديثه ما ذكرتُه "-، ولو كان روى شيئًا ألصَقَ البخاري به التبعةَ في نكارته فَوَصَفَهُ بأنه " منكر الحديث "، فإن ربيحًا إذن ضعيفٌ أو ضعيفٌ جدًّا، إذ هو -على قلة حديثه- يروي ما يستحق أن يصفه البخاري بسببه بأنه " منكر الحديث "، والبخاري وصفه بنكارة الحديث، ولم يقتصر على الضعف أو اللين. ومن روى المنكرات وحديثُهُ قليل؛ فأولى به أن يكون عامة حديثه منكرًا، خاصة إذا تفرّد أو خالف.
وقد دلَّ صنيعُ ابن عدي لما أدخل عامة أحاديث ربيح في ترجمته في الكامل= على أنها من مناكيره، إذ من عادة ابن عدي أن يذكر في ترجمة الراوي ما أُنكر عليه، ولحقه بروايته وصف الضعف، واستحق به أن يُدخل في الضعفاء، وقد نصَّ على ذلك ابن عدي نفسُه، وغير واحد من أئمة الاستقراء. وهذا الصنيع من ابن عدي موافقٌ لحكم البخاري في نكارة حديث ربيح.
وقد كرر ابن عدي هذا الحديث مرتين في كتابه الكامل: في ترجمة كثير بن زيد، وترجمة ربيح، وسبق منهجه في إيراد الأحاديث في كتابه، بل وأعلّه بتفرد كثير به، قال (3/ 173): " ولا أعلم يروي هذا الحديث عن ربيح غير كثير بن زيد ".
وقد تفرد بالحديث كثير وربيح -على ضعفهما-، قال البزار -كما في البدر المنير (2/ 78) -: " لا نعلمه يُروى عن أبي سعيد إلا بالإسناد المذكور ".
فهذا الحديث منكر، تفرد به ضعيفان، أحدهما منكر الحديث. وإنما اعتبره الإمام أحمد بن حنبل أحسن أحاديث الباب؛ لخفاء حال ربيح عليه، إذ لم يعرفه، وقد عرفه البخاري فأنكر حديثه، ووافقه ابن عدي.
تنبيه: ظهر ما في قول الذهبي -في تنقيح التحقيق له (1/ 44) -: " وربيح صويلح ما ضُعِّف "= من نظر.
وقد ذكر الذهبي هناك أنه تابع كثيرًا عن ربيح أربعة، ولم أجد ذلك، والظاهر أنه أراد أنه توبع زيد بن الحباب عن كثير، ردًّا على حكم ابن عدي بتفرد زيد عنه. والله أعلم.
¥