ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[18 - 11 - 07, 05:03 ص]ـ
4 - ذكر المؤلف (ص16) حديث يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، ونقل عن الشوكاني أنه ليس في إسناده ما يسقطه عن درجة الاعتبار. وفي هذا نظر؛ ففي الحديث علل، وقد شرحها ابن الملقن بكلام جيد، قال -في البدر المنير (2/ 70) -: " وحاصل ما يُعلل به هذا الحديث الضعف والانقطاع:
- أمّا الضعف؛
* فيعقوب بن سلمة لا أعرف حاله، وقال الذهبي في الميزان: «شيخ ليس بعمدة»،
* وأمّا أبوه سلمة؛ فلم يعرف حاله المزي ولا الذهبي، وإنما قال في الميزان: «لم يروِ عنه غير ولده»، وقد ذكره أبو حاتم ابن حبان في ثقاته، وقال: «ربما أخطأ».
- وأمّا الانقطاع؛ فقال الترمذي -كما في ترتيب علله الكبير (ص32) -: سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث، فقال: «محمد بن موسى المخزومي لا بأس به، مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدنيٌّ، لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة» " ا. هـ كلام ابن الملقن.
وأعلّه بهذه العلل الحافظ مغلطاي -في شرح ابن ماجه (1/ 253) -.
وقد علّق ابن حجر على كلمة ابن حبان في سلمة، فقال -في التلخيص الحبير (1/ 72) -: " وهذه عبارةٌ عن ضعفه، فإنه قليل الحديث جدًّا، ولم يروِ عنه سوى ولده، فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى، فكيف يوصف بكونه ثقة؟! ".
فالحديث فيه جهالة، وضعف، وانقطاع في موضعين، فسقوطه عن درجة الاعتبار فيه ظهور.
ثم ذكر المؤلف الروايات الأخرى عن أبي هريرة:
أ- رواية محمد بن سيرين:
وقد بيَّن أن راويها إبراهيم بن محمد بن ثابت الأنصاري ضعيف، ويروي المناكير، وشيخه علي بن ثابت مجهول.
وقد تفرد علي بن ثابت هذا -فيما وجدتُ- بهذا الحديث عن محمد بن سيرين، وتفرُّد هذا المجهول ومثلِهِ عن هذا الإمام ومثلِهِ منكر.
واجتماع الضعف وتفرد المجهول نكارة شديدة، ونقل المؤلف أنه أنكر هذه الروايةَ ابنُ الجوزي في الموضوعات -بل قال: " حديث ليس له أصل "- وابن حجر في اللسان.
ب- رواية أبي سلمة:
وقد بيَّن المؤلف عللها:
- ففيها محمود بن محمد الظفري، قال فيه الدارقطني -في العلل (14/ 295) -: " لم يكن بالقوي "، ونقل كلمةَ الدارقطني الذهبيُّ، فقال -في تنقيح التحقيق (1/ 45) -: " قال الدارقطني: «ليس بالقوي، فيه نظر» "،
- وشيخه أيوب بن النجار لم يسمع -كما ذكر هو نفسه- من شيخه في هذه الرواية (يحيى بن أبي كثير) إلا حديثًا واحدًا، ليس هو هذا الحديث.
واجتماع هاتين العلتين يؤكد النكارة، حيث إن ضعف الظفري أدى به إلى التحديث بهذا الحديث الذي لا أصل له عن يحيى بن أبي كثير.
وقد أعلّه الدارقطني -في الأفراد، كما في أطرافه (2/ 364) - بتفرد محمود عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير.
ولذا؛ فقد قال الذهبي -في تنقيح التحقيق له (1/ 45) -: " قلت: هذا منكر، وقال الدارقطني: «محمود بن محمد ليس بالقوي، فيه نظر». قلت: أيوب من رجال الصحيحين، صدوق، لا يحتمل مثل هذا أصلاً، فالآفة من محمود " ا. هـ.
ج- رواية مجاهد عن أبي هريرة:
وذكر المؤلف -نقلاً عن ابن حجر- أن فيها مرداس بن محمد، وهو من ولد أبي موسى الأشعري، ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: " يغرب وينفرد "، وبقية رجاله ثقات.
ومرداس هذا هو أبو بلال الأشعري، عينه به الحافظ ابن حجر -كما في اللسان (6/ 14) -، وهو مشهور بكنيته، ضعفه الدارقطني، وليّنه الحاكم، وذكر ابن حبان -كما سبق- أنه يغرب وينفرد.
وتوثيق ابن حجر لبقية رجال الحديث فيه نظر، فشيخ أبي بلال: محمد بن أبان غير معروف، قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي -في الأحكام الوسطى (1/ 163) -: " محمد بن أبان لا أعرفه الآن ".
وقد غلّب ابن القطان -في بيان الوهم (3/ 227) - أنه محمد بن أبان الجعفي جدُّ مشكدانه، وهو محتمل، فإن يكنه؛ فإنه ضعيف، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن حبان -كما في ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 199) والمجروحين (2/ 260) وتعجيل المنفعة (ص357) -.
وشيخُهُ أيوب بن عائذ وثّقه الأكثر، وذكر ابن المديني أن له نحو عشرة أحاديث، ومع ذلك قال ابن حبان فيه: " يخطئ ".
ويُنظر في إمكان سماع ابن عائذ من مجاهد.
وقد انتقد ابنُ القطان إعلالَ عبد الحق الحديثَ بمحمد بن أبان، فقال -في بيان الوهم (5/ 661) -: " وقد ترك في الإسناد من يعتلّ الخبر به، لم يعرض له، وهو الراوي له عن محمد بن أبان، وهو مرداس بن محمد "، وكان ابن القطان لم يعرف مرداس هذا، قال -في بيان الوهم (3/ 227) -: " ... في إسناده من لا يُعرف البتة، وهو راويه عن محمد بن أبان، وهو مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبي بردة، فاعلم ذلك "، فتعقبه ابن حجر -في لسان الميزان (6/ 14) -، قال: " هو مشهور بكنيته، أبو بلال ... وقول القطان: «لا يُعرف البتة» وهم في ذلك؛ فإنه معروف ".
وقد قال الذهبي -في الميزان (4/ 88) -: " مرداس بن محمد بن عبدالله، عن أبان الواسطي. لا أعرفه، وخبره منكر في التسمية على الوضوء "، ولعل صواب قوله: " أبان الواسطي ": محمد بن أبان -كما في التعليق المغني بحاشية الدارقطني (1/ 74) -، وتعيينه بالواسطي لم أجده إلا هنا، ومحمد بن أبان الواسطي متأخر عن طبقة أيوب بن عائذ، فهو يروي عن طبقة تلاميذ أيوب.
وبالعموم، فهذا حديث من تفردات وإغراب أبي بلال الأشعري، وهو ضعيف، وتفردات الضعفاء منكرة، ومجاهد إمام حافظ كبير، فلا يُقبل الحديث عنه وقد جاء من هذه الطريق الضعيفة المنظور فيها، التي تفرد بها ضعيف، وفيها من يحتمل أنه ضعيف. ولذا أنكر هذا الحديث الحافظ الذهبي -كما سبق-.
فقول المؤلف (ص20) بعد هذا الحديث: " فمثله يصلح للاعتبار " فيه نظر، فهذه حال أبي بلال، وهذه حال السند الذي تفرد به -على ضعفه-، وهو مما يحرص عليه الثقات لو صح؛ فانقطاع الروايات عن مجاهد إلا من هذه الطريق مع ما له من أصحاب ثقات= دليل على نكارتها وضعفها.
هذه الروايات التي ذكرها المؤلف عن أبي هريرة، وتبيَّن أنها تدور بين المنكرة والمنكرة جدًّا، وتعضيدها ببعضها تساهلٌ لا يجري على طريقة أئمة الحديث النقاد.
¥