الأفكار " (2/ 380): " و هو حسن الحديث كما قاله الإمام أحمد ". فالإسناد
جيد، و بخاصة على الجمع المذكور بين روايتي سفيان و شعبة. و قد تابعه من لا
يفرح بمتابعته، و هو يحيى بن سلمة بن كهيل، و لكنه خالفه في صحابي الحديث،
فقال: عن أبيه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب.
هكذا أخرجه الطبراني (رقم 293) من طريقين عنه. و خالفهما إسماعيل بن يحيى بن
سلمة بن كهيل، فقال: عن أبيه عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى به، زاد
في آخره: " و إذا أمسينا مثل ذلك ". أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "
المسند " (5/ 123) قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل
: حدثني أبي. قلت: هذا إسناد ضعيف بمرة، إبراهيم هذا ضعيف، و أبوه إسماعيل
بن يحيى و جده متروكان، كما في " التقريب "، لكن الأب قد توبع كما تقدم،
فالآفة يحيى بن سلمة. و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10/ 116)
بزيادة وكيع، و قال: " رواه أحمد و الطبراني، و رجالهما رجال الصحيح ". و
عزاه النووي في " الأذكار " لابن السني فقط، و قال: " إسناده صحيح "، فما
أبعد، و تبعه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1/ 327) و عزاه للنسائي
. و خالفه الحافظ في " تخريج الأذكار "، قال (2/ 379): " حديث حسن "! ثم
ذكر الخلاف بين سفيان و شعبة، ثم قال: " و مع هذا الاختلاف لا يتأتى الحكم
بصحته. و الله المستعان ". و أقول: ليس كل اختلاف له حظ من النظر، فإن
الراجح يقينا رواية سفيان على رواية شعبة، و مثل هذا لا يخفى على مثل الحافظ،
فالظاهر أنه لم يتيسر له إمعان النظر في روايتيهما، كيف لا، و هو الذي ذكر في
ترجمة (سفيان) عن شعبة أنه قال: " سفيان أحفظ مني ". و بذلك جزم جماعة من
الحفاظ كأبي حاتم و أبي زرعة و ابن معين و صالح جزرة و غيرهم. و قال يحيى
القطان: " ليس أحد أحب إلي من شعبة، و لا يعدله أحد عندي، و إذا خالفه سفيان
أخذت بقول سفيان "، انظر " السير " (7/ 237). و هنا تنبيهات على أوهام:
أولا: لقد ذكر الحديث ابن القيم رحمه الله في " إغاثة اللهفان " بلفظ: " كان
النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: أصبحنا .. ".
فلما أخرجه (الهدام) في تعليقه عليه (2/ 239) تخريجا مجملا، لبيان الخلاف
المتقدم في إسناده بين سفيان و شعبة ليختمه بقوله: " و الذي يظهر أن رواية
شعبة أقرب إلى الصواب، و إسناده صحيح ". فأقول: عليه مؤاخذات: الأولى: أنه
لم يبين للقراء وجه ما استظهره! و هذا شأن العاجز أو الجاهل. و كثيرا ما يفعل
ذلك. الثانية: أن استظهاره باطل ما دام أنه سلك طريق الترجيح، لأنه خلاف قول
شعبة نفسه و أقوال الحفاظ الذين جاؤوا من بعده و شهدوا بشهادته أن رواية سفيان
عند الاختلاف أرجح من روايته كما تقدم، و هذا من الأدلة الكثيرة على أنه يركب
رأسه، و يخالف أئمته، و لا يبالي بهم أية مبالاة! و قد يكون الذي حمله على
مخالفتهم أنه رأى رواية ابن بشار عن يحيى عن سفيان موافقة لرواية شعبة،
فاعتبرها مرجحة لها، جاهلا أو متجاهلا أنها خطأ لمخالفتها لرواية الجماعة عن
يحيى عن سفيان، و لرواية الثقات الآخرين عن سفيان! الثالثة: على ترجيحه
لرواية شعبة، فهو لم يخرج الحديث باللفظ الذي ذكره ابن القيم، لأنه ليس فيها
الوصية المذكورة فيه! و التي هي معنى الزيادة التي أودعتها في حديث الترجمة،
و قد أورده ابن أبي العز في " شرح الطحاوية " (ص 96 - 97 / التاسعة) بلفظ
أقرب إليها: " كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا .. "
. فهذا اللفظ إنما هو في حديث سفيان، و في رواية الطبراني كما تقدم، و عليه
يكون عنده مرجوحا لا يصح! فيتأمل القراء نتيجة من يتكلم في علم لا يحسنه، و
مع ذلك فهو يخالف و يرد على كبار العلماء سلفا و خلفا! نعوذ بالله من العجب و
الغرور و الخذلان. و اعلم أخي القارىء أن هذه الزيادة تتفق تماما مع قوله صلى
الله عليه وسلم في الحديث: " و دين نبينا محمد "، فإنه من المستبعد جدا أن
يذكر صلى الله عليه وسلم لفظا " نبينا " في دعائه لنفسه بهذا الورد، و إنما
¥