تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الحديث فيه حثٌّ على القراءة في المصحف، والمصاحف لم تكن موجودة على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ذكر هذه العلَّة الذَّهبي رَحِمَهُ اللهُ في ميزان الاعتدال (9) ترجمة الحُرِّ بن مالك فَقَالَ: " أتى بخبر باطل ... ثم ساق الرواية ثم قَالَ: وإنما اتُّخِذَتِ المصاحف بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد ردَّ الحافظ ابنُ حجر رَحِمَهُ اللهُ على هذه العلَّة في لسان الميزان (10) بعد ذكر كلام الإمام الذهبي فَقَالَ: وهذا التعليل ضعيف، ففي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو " وما المانع أن يكون الله أطلع نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف.

وهذا الرَّدُ يصلح لو كان إسناد الحديث صحيحا، ولو ورد اللفظ في الصحيحين وغيرهما صريحا، فالرِّوايات الَّتِيْ وقفت عليها في الصَّحيحين هي ((نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ))، وليس فيه لفظة المصحف، وإن كان العلماء يحملون ذلك على المصاحف المكتوبة، وقد بوَّب البُخاريُّ رَحِمَهُ اللهُ بقوله " بَاب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ "

ليدلل على أن المقصود بلفظة " القرآن " المصاحف المكتوبة، لأن ما في الصدور لا يستطيع الأعداء نيله أو إلحاق الضَّرر به.

ومقصدي من ردِّ تعقب الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ على تعليل الإمام الذهبي رحمه الله بورود الرِّواية في الصحيحين، أنَّ الرِّواية الَّتِيْ في الصحيحين صحيحة الإسناد، فمدارها على نافع مولى ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الَّذِيْ يرويه عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد رواه عن نافع جمع، منهم: عبيد الله بن عمر، و مُحَمَّد بن إسحاق، ومالك، والليث، وأيوب، ويحيى بن سعيد، فهل يشُّكُّ عاقل في صحة روايتهم، أو يداخله الظَّنُّ بخطئهم، حاشا وكلا، بينما الرِّواية الَّتِيْ أعلَّها الذَّهبي رَحِمَهُ اللهُ، تفرَّد بها أحد الرُّواة عن شيخه ثم تفرَّد بها شيخه المقلّ جدا عن أحد الأئمة من ذوي العدد من التَّلاميذ الذين لا يكاد يفوتهم حديثه، فأين روايتهم لهذا الحديث المزعوم!، فكأن الذهبي رحمه الله استدل بنكارة اللفظة الواردة في المتن على ضعف رواية هذا المتفرد عن شعبة وتابع ابن عدي في إنكاره لها، وابن حجر رد التعليل المذكور للمتن، لكنه أعلَّ الرواية متَّبعا لتعليل ابن عدي، فالرَّدُّ المتعلق بالقبول للرواية ليس على الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ، بل على من قبل هَذَا التَّفرُّد ومشَّاه، وكأن المتفرِّد من أشهر تلاميذ ذلك الإمام!.

وهذا منهج مخالف لمنهج الأئمة الذين ينظرون إلى حالِ المُتفَرَّدِ عَنْهُ وحالِ المُتَفَرِّدِ بالرِّوَايَةِ، والأمثلة على تعليلهم بهذا الأمر كثيرة، يعرفها من يطالع أحكامهم على الروايات وطريقة تعليلهم للأخبار.

الكلام عن علل هذه الرِّواية

العلَّة الأولى:

أولا: الحُرّ بن مالك بن الخطاب العنبري البصري

وصفه ابن حجر رحمه الله بالجهالة في لسان الميزان (11)، وأعلَّ الرِّواية به، فلعله سبق قلم منه أو لعدم تذكر حاله حينها، لأن حكمه عليه في التقريب كَتَبَهُ موافقا لاختيار الأئمة الآخرين، وهذا قولهم فيه

ذكره البخاري في التَّاريخ (12) فقال: سمع شعبة

وقَالَ عنه أبو حاتم الرَّازي: صدوق لا بأس به (13)

وقال البزَّارُ: لم يكن به بأس (14)

وذكره ابن حبَّان في الثِّقات (15) فَقَالَ: الحرب (16) بن مالك …

وقد بين الشيخ الألباني خطأ ابن حجر رحمهما الله في السِّلسلة الصَّحيحة (17) فقال:

" قلت: كلا، فقد قال ابن أبي حاتم (1/ 2 / 278). سألت أبي عنه؟ فقال: صدوق لا بأس به ". اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير