أولاً: أنَّه لم يستوعب جميع روايات أسباب النزول الصحيحة، فالناظر في كتابه هذا يجد أنَّ العديد من هذه الروايات - والتي هي بالطبع على شرطه - قد فاتته، فمن هذه الروايات على سبيل المثال:
سبب نزول قوله تعالى: [يسألونك عن الخمر والميسر00] 0فقد جاء في سبب نزولها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب لما نزل تحريم الخمر قال اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً00القصة المشهورة00
فهذه الرواية لم يوردها الشيخ الفاضل في كتابه، بل تركها عمداً واعتذر عن ذلك قائلاً: (ص33) 0 " وقد وجدته من طريق أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر وقد قال أبو زرعة: أنَّه لم يسمع من عمر فتركته "0
ويجاب عن هذا الكلام من وجهين:
الأول: إنَّ مسألة سماع أبو ميسرة - من عدمه - مختلف فيها بين أهل العلم، وإن كان الراجح السماع، فقد قال الإمام البخاري - وهو من هو - في تاريخه الكبير: (6/ 341) 0ما نصه " سمع من عمر وابن مسعور رضي الله عنهما "0وقد حقق المسألة الشيخ العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (رقم378) 0وأثبت سماعه من عمر رضي الله عنها، فأجاد وأفاد، والغريب أنَّه - أي الشيخ أحمد شاكر - لم يطلع على كلام الإمام البخاري في هذه المسألة، فهو لم ينقله هناك0
ثانياً: لم ينفرد أبو ميسرة برواية هذا الخبر عن عمر رضي الله عنه، بل تابعه على ذلك الحارثة بن مضرب كما أخرجه الطبراني في الأوسط: (رقم1464) 0والحاكم في المستدرك: (4/ 143) 0من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً00القصة00
وقد اطلع الشيخ مقبل على هذا الطريق، بل كتب معلقاً عليه في المستدرك بتحقيقه: (4/ 252) 0ما نصه " الحديث منقطع فإنَّ حارثة تابعي على أنَّه قال فيه علي بن المديني متروك "0
ويجاب عن هذا الكلام من وجهين أيضاً:
الأول: قوله:" الحديث منقطع فإنَّ حارثة تابعي "0قلت: هو تابعي مشهور له رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد نصًّ البخاري على سماعه من عمر فقال في التاريخ الكبير: (3/ 94) 0" سمع عمر وعلياً وعنه أبو إسحاق السبيعي0
الثاني: قوله:" على أنَّه قال فيه علي بن المديني أنَّه متروك "0قلت: ولا نسلم بصحة هذا، فقد قال الحافظ ابن حجر في التقريب: (1/ 180) 0ما نصه:" ثقة من الثالثة غلط من نقل عن ابن المديني أنَّه تركه "0
لذا نجد أنَّ جمعاً من الأئمة قد صحح هذا الحديث، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (2/ 196) 0ما نصه " وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي "
قلت: والقول أنَّ الترمذي قد صححه، قول فيه نطر، بل بالعكس من ذلك، فالذي يُفهم من كلامه أنَّه قد يميل إلى تضعيفه، والله أعلم0
وممن صححه من المتقدمين الحاكم النيسابوري في المستدرك ووفقه على ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله0
وممن صححه من المعاصرين الشيخ العلامة أحمد شاكر (أحمد رقم378) 0 والعلامة الإمام الألباني (الصحيحةرقم2348) 0والشيخ إبراهيم العلي (صحيح اسباب النزول ص41) 0رحمهم الله جميعاً0
ومن أمثلة ما فات الشيخ الفاضل في صحيح أسباب نزوله - وهي على شرطه أيضاً - ما أخرجه الطبري في تفسيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا آخر، فأنزل الله: [وتزودوا] 0فنهو عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق0 هذه رواية صحيحة في سبب النزول، قال الحافظ ابن حجر في العجاب: (ص311) 0وهذ سند صحيح0
الملاحظة الثانية: إدخاله في كتابه ما ليس سبباً في النزول، ومثال ذلك ما أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عمر في سبب نزول قوله تعالى: [ولله المشرق والمغرب] 0وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته تطوعاً أينما توجهت وهو آت من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر [ولله المسرق والمغرب] 0قال وفي هذا أنزلت هذه الآية0
قلت: فعلى الصحيح الراجح من أقوال المحققين من أهل العلم: (كالحافظ السيوطي والشيخ أحمد شاكر) 0 أنَّها ليست سبباً في نزول هذه الآية0 (كما بينا تفصيل ذلك في موضعه من بحثي هذا) 0
¥