ومخالفاً جميع أَقران الأَعمش الذين رووه عن عطاء, وفيهم: شعبة, والثوري, وحماد بن زيد, وابن علية, وزهير بن حرب, وجرير بن عبد الحميد, وغيرهم, وناهيك بهم في العدالة والضبط والإِتقان. وكلهم يقولون: ((بيده)).
ورواية سفيان عن عطاء به بلفظ: ((ولقد رأَيت رسول الله r يعد هكذا, وَعَدَّ بأَصابعه)). أَخرجه عبد الرزاق: (2/ 223). ليس فيهم واحد يقول: ((بيمينه)).
فليس هذا الاختلاف صادراً عن رسول الله r ولا عن الصحابي رواي الحديث – رضي الله عنه – وإِنما هو ناشئ من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط, فهذه اللفظة ((بيمينه)) من شيخ أَبي داود محمد بن قدامة, مخالفاً جميع أَقرانه, وفيهم من هو أَحفظ منه وأَضبط.
وقاعدة التخريج: أَن الحديث, إِذا اتحد مخرجه كهذا الحديث؛ امتنع حمله على التعدد, وهذا الحديث ((متحد المخرج)): عطاء عن السائب عن عبد الله بن عمرو بن العاص, لا غير: فصارت هذه اللفظة ((بيمينه)) خطأ من ابن قدامة ولابد, خالف بروايتها جميع الرواة من أَقرانه وفيهم من هو أَوثق منه, وأَقران الأَعمش وكلهم أَوثق منه, فهي لفظة شاذة غير محفوظة. قال شيخ المفسرين الحافظ أَبو جعفر ابن جرير – رحمه الله تعالى – في: ((تفسيره)): (9/ 566): ((والحفاظ الثقات إِذا تتابعوا على نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم؛ كانت الجماعة الأَثبات أَحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم). انتهى.
وهذا معنى مقرر في كتب الاصطلاح, كما في: ((النكت)) لابن حجر: (2/ 691 - 692) و ((هدي الساري)) له: (ص / 348, 356, 384) و ((صيانة صحيح مسلم) لابن الصلاح: (ص / 139, 154).
ويؤكِّد هذا الشذوذ من جهة المتن أُمور:
1 - أَنا أَبا داود – رحمه الله تعالى – لما أَخرج هذه اللفظة: ((بيمينه)) وأَشار إِلى انفراد: محمد بن قدامة بها, دون الآخرين, لم يترجم عليه بما يفيد هذا القيد: قَصْرُ عقد التسبيح على أَصابع اليد اليمين. وكذلك البيهقي من طريقه في: ((السنن)).
2 - ولهذا – والله أَعلم – تنكب العلماء القول بموجب هذه اللفظة – بعد النظر والتتبع, ولم أَر إِلاَّ قول ابن الجزري كما في: ((شرح ابن علان للأَذكار)): (1/ 251): (وقال أَهل العلم: ينبغي أَن يكون عدد التسبيح باليمين). انتهى. وَلَمْ أَرَه على التفصيل. ومن كان عنده فضل علم فليرشد إِليه, مع أَن الحجة هي السنة.
3 - أَن لفظ: ((اليد)) للجنس, فيُراد بها: ((اليدان)). ومن نظر في أَلفاظ الرواة في وضع ((اليد)) على الصدر حال القيام في الصلاة: عَلِمَ ذلك.
4 - يزيد هذا وضوحاً: أَمره r للنسوة في حديث يسيرة – رضي الله عنها – قالت: ((قال لنا رسول الله r عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس, واعقدن بالأَنامل فإِنهن مسؤولات مستنطقات ولا تغفلن فَتُنْسَيْنَ الرَّحمة)). رواه أَحمد: (14/ 221 الفتح الرباني) , وأَبو داود: (1487) , والترمذي: (3653) واللفظ له, والحاكم: (2007).
وكما أَن لفظ: ((الأَنامل)) وهي رؤوس الأَصابع التي بها ((الظُّفْرَ)) يَعُمُّ الأَصابع من باب إِطلاق البعض وإِرادة الكل, فإِن هذا أَيضاً يعم أَصابع اليدين, فَهُو على عمومه ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=814727#_ftn3)). ولو فرض أَن ثمة احتمال – ولا احتمال -: فإِن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=814727#_ftn4)).
ومعلوم أَيضاً أَن ((العقد)) هو أَحد ((الدَّوَالِّ الخمس)) وهي: اللفظ, ثم الإِشارة, ثم العقد, ثم الخط, ثم النصب, فمن قصر العقد على أَصابع يَدٍ دون الأُخرى فعليه الدليل, فيبقى عقد التسبيح إِذاً على عمومه بأَصابع اليدين.
5 - وإِجراء النص على عمومه, كما هو ظاهر, وعليه عمل المسلمين, هو الذي يطرد من قاعدة الشريعة في إِعمال كلتا اليدين في العبادة ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=814727#_ftn5)).
حيث يمكن إِعمالهما, كما في التعبد بهما في الصلاة في أَحوال: الرفع, والقبض, والاعتماد في الركوع, والسجود,. . .
¥