تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الإشارات القرآنية إلى تقوية أسس البناء يقول تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم 127 {البقرة: 127}، وفي الإشارة إلى ضعف الأبنية التي أسست على ضعيف من الأرض يقول تعالى: أفمن أسس بنيانه على" تقوى" من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على" شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين 109 {التوبة: 109}، كما أن استقامة البناء أطول لعمره، وأقوى له؛ فإن ميلانه يؤدي به إلى الانهيار، قال تعالى: فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا 77 {الكهف: 77} فإذا عدل الميلان بشكل مدروس فإن عمره سيطول.

وقد جعل النبي {من أسس السعادة: سعة البيت، وكثرة مرافقه، فعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة المرأة الصالحة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق" (1).

ولكننا نجد أن الكثير من المسلمين غرقوا في المظاهر البراقة من التكلف في البناء بما لا فائدة فيه إلا المظاهر والتفاخر والتنافس، فغرقوا في الديون لأجل ذلك، وقد اختلف العلماء في حكم التوسع في البناء، والتطاول فيه، وزخرفته على ثلاثة أقوال (2).

القول الأول: تحريم البناء بما يزيد عن الحاجة، وأدلتهم ما يلي:

1 - قوله تعالى: أتبنون بكل ريع آية تعبثون 128 وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون 129 {الشعراء: 128، 129}، وجه الدلالة أن الله عابهم ببناء القصور المرتفعة بدون الحاجة وإنما للفخر (3).

2 - قوله تعالى: ولا تبذر تبذيرا 26 إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا 27 {الإسراء: 26، 27}، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الإسراف في المباحات محرم" (4).

3 - قوله تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين 31 {الأعراف: 31}.

4 - حديث جبريل الطويل وفيه: "وما أماراتها؟ فقال {: أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" (5). وجه الدلالة أنه ذكرهم بالتطاول على وجه الذم، فاقتضى ذم من يعمل عملهم.

5 - حديث خباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال: في البناء" (6)، ووجه الدلالة أن التطاول والزخرفة في البناء لا أجر فيها؛ لأنها لا يكون لها نية صالحة؛ إذ المباحات تصير طاعات بالنية، فدل على أن التطاول والزخرفة ليست من المباحات.

6 - حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه" (7).

7 - حديث أنس رضي الله عنه في قصة الرجل الذي بنى قبة فغضب عليه {فهدمها، وفيه قوله {: "أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا - يعني ما لا بد منه" (8). وجه الدلالة: أنه {غضب بسبب بناء ما لا نفع فيه إلا الجمال والافتخار، كما بين {أن البناء غير الضروري وبال على صاحبه، ولو كان مباحاً لم يكن وبالاً.

8 - حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إذا أراد الله بعبد شراً خضِّر له في اللبن والطين حتى يبني" رواه الطبراني وله شاهد في الأوسط عن أبي بشر الأنصاري رضي الله عنه بلفظ: "إذا أراد الله بعبد سوءاً أنفق ماله في البنيان" (9).

9 - حديث عمارة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي: يا فاسق إلى أين" (10) والحديث ضعيف.

10 - وقد كان {يذكر من يراه يحسن ويزخرف بسرعة انقضاء الدنيا، كما في قصة عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله {وأنا أطين حائطاً لي أنا وأبي، فقال رسول الله {: "ما هذا يا عبدالله؟ فقلت: يا رسول الله، شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك" (11). وفي رواية: مرّ عليّ رسول الله {ونحن نعالج جصاً لنا وهي، فقال: ما هذا؟ فقلنا: جص لنا وهي فنحن نصلحه، فقال رسول الله {: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك" (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير