القول الثاني: كراهة التطاول في البنيان والتوسع فيه زيادة عن الحاجة، وهو قول الشافعية (13) وبعض الحنابلة (14) ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية (15) وقد حملوا الأدلة السابقة على الكراهة، وقال ابن مفلح رحمه الله: "وظاهر حديث خباب أنه لا إثم له بذلك" (16).
القول الثالث: إباحة ذلك، وهو قول المالكية (17)، والحنابلة (18)، والظاهرية (19)، وأدلته:
1 - قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده 32 {الأعراف: 32}.
2 - قوله تعالى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما \تقوا وآمنوا 93 {المائدة: 93}.
3 - حديث: "من بنى بنياناً في غير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرساً في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الرحمن" (20).
ما ورد في الآثار من النهي عن زخرفة المساجد وتشييدها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله {: "ما أمرت بتشييد المساجد" قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى (21).
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله {: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" (22).
ومر علي رضي الله عنه بمسجد قد شرف فقال: "هذا بيعة بني فلان" (23).
ولما بعث الوليد بن عبدالملك أربعين لف دينار ليزين بها مسجد رسول الله {، فمر بها على عمر بن عبدالعزيز رحمه الله فقال: المساكين أحوج إلى هذا المال من الأساطين (24).
ضوابط تأثيث البيوت:
أولاً: وجود الصور المحرمة والتماثيل محرم، وأدلة تحريمها معروفة فنقتصر هنا على أدلة مشروعية إزالتها، فمما ورد في ذلك:
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي رسول الله {وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل (وفي رواية: فيه الخيل ذوات الأجنحة) فلما رآه هتكه، وتلون وجهه .. ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة. قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين"، زاد أحمد: فقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيها صورة (25). وفي الحديث: تحريم تعليق الصور ومشروعية هتكها، وأنها إذا كانت مهانة كالوسائد فإنها أخف والله أعلم أجازها الحنابلة كما في الشرح الكبير (26).
الدليل الثاني: ما رواه البخاري معلقاً عن أبي مسعود رضي الله عنه "أنه دعي إلى طعام، فلما قيل له: إن في البيت صورة. أبى أن يذهب حتى كسرت" (27). وامتناعه رضي الله عنه يدل على خطورة هذا الأمر وشدة تحريمه.
ثانياً: ألا يكون الأثاث مزوقاً تزيوقاً مكروهاً، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها:
1 - حديث سفينة رضي الله عنه: "أن رجلاً أضافه عليّ رضي الله عنه، فصنع له طعاماً، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله {، فأكل معنا. فدعوه، فجاء، فوضع يده على عضادتي الباب، فرأى قراماً في ناحية البيت، فرجع، فقالت فاطمة لعلي: الحقه، فقل له: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقاً" (28). وهذا يدل على كراهة وضع الديكورات المتكلفة والزخارف المنمقة.
2 - وفي حديث عائشة: "أنه لما رأى عائشة قد سترت الجدار وقال: إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسوا الحجارة" (29).
3 - وقد خرج أبو أيوب من وليمة عرس بسبب الستائر التي على الجدران، قال سالم بن عبدالله: "أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، وكان أبو أيوب فيمن آذن، وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر. فأقبل أبو أيوب، فرآني قائماً، واطلع فرأى البيت مستتراً بنجاد أخضر، فقال: يا عبدالله أتسترون الجدر؟ قال أبي: - واستحيا - غلبنا النساء يا أبا أيوب، فقال: من أخشى أن تغلبنه النساء فلم أخشى أن تغلبنك ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً، ولا أدخل لكم بيتاً ثم خرج رحمه الله" (30).
وهذه الآثار تدل على أن الأفضل للمؤمن أن يكون أثاثه خالياً من التكلف في الديكورات التي لا فائدة فيها إلا الجمال والتحسين، وما علموا أن الجمال في البساطة، وأن الزخارف لم تذكر في القرآن إلا في معرض الذم؛ وذلك في قوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين 35 {الزخرف: 33 - 35}.
كما أننا نجد النبي {يحذر الصحابة من التكلف في الأثاث بسبل منها:
¥