تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمر الثاني: هناك علمٌ اسمه (علم مشكل الحديث أو علم مختلف الحديث) يبحث في رفع الإشكالات التي يظنها البعض في بعض الأحاديث. والإشكال – وهو الالتباس والخفاء ــ قد يكون ناشئا من ورود حديث يناقض حديثا من حيث الظاهر، وقد ينشأ من مخالفة الحديث للقرآن أو اللغة أو العقل أو الحس ولا يكون كذلك! وهنا تظهر براعة الفقهاء والمحدثين الفائقة برفع هذه الإشكالات أو بيان نسخ في أحدهما، أو بشرح المعنى بما يتفق مع القرآن أو العقل أو اللغة أو غير ذلك، ومصلحة دفع التعارض عن آيات الكتاب ودفع التعارض عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون في اعتبار المسلم المُخلص لا أن يسارع إلى ردِّ الحديث لأنه عجز عن فهمه أو عجز عن دفع التعارض الظاهري؛ فإن لم يتيسر له دفع التعارض عن الحديث مع الآية أو الحديث مع الحديث فليعتقد أنه من سُوء فهمه وليكله إلى عالمه.

وهنا نتساءل ما المانع أن يسأل هذا الصحفي وأمثاله أهل الذكر والتخصص في ذلك بدلا من ترك العنان لخياله في إيراد التشكيكات والشبه في صحف سيارة تخاطب العامة والقول على الله بلا علم. إننا لو فتحنا الباب لكل من هبَّ ودبَّ للتشكيك في الأحاديث بالعقول القاصرة لردت السنة كلها. نعوذ بالله من الخذلان.

* * * *

أما الدفاع عن الحديث الأول: في رهن درعه صلى الله عليه وسلم فأقول:

أولا: الحديث صحيحٌ لا ريب فيه: رواه البخاري ومسلم والنسائي في الكبرى وابن ماجه وأحمد والبيهقي وابن الجارود والبغوي من حديث عائشة رضي الله عنها، ورواه البخاري أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ولم يطعن فيه البتة ــ على ما أعلم قديمًا وحديثًا ــ إلا هذا المجترئ على السنة وأهلها.

ثانيا: قوله مشككًا في الحديث: (كيف يعطي سلاحه في الحرب والقتال ويتنازل عنه فقرا ليهودي؟) والجواب: الدرع شيء، وآلات السلاح شيء آخر: فالدرع هو جبة من الزرد المنسوج يلبسها المقاتل للوقاية من السيوف والسهام (صبح الأعشى ـ 2/ 151). أما آلات السلاح كالسيف أو الرمح أو القوس أو الحربة فلم يرهنها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي وَرَدَ عنه صلى الله عليه وسلم هو أنه رَهَنَ درعًا واحدًا ــ هي ذات الفضول ــ ومع العلم أنه كان عنده سبعًا من الدروع، هذه إحداها (زاد المعاد 1/ 130)، وكان يستخدم أكثر من واحدة، ويوم أحد ظاهر بين درعين كما روى أهل السنن، أي لبس أحدهما فوق الآخر. راجع وصف الأدرع وأسمائها في: (سبل الهدى والرشاد 7/ 590ـــ 592). فماذا يضير النبي صلى الله عليه وسلم لو رَهَن درعا أو حتى درعين من هذه الدُّروع السبع؟!.

ثالثا: هذا اليهودي المذكور يعرف بأبي الشحم كما رواه الشافعي والبيهقي، ولم يكن من المحاربين كما قال شارح البخاري ابن الملقن رحمه الله حيث قال: ((ورهن النبي صلى الله عليه وسلم الدرع عند اليهودي؛ لأنه لم يكن من أهل حرب، والأمر هاهنا ممن يخشى منه التقوي بها كبيعها) اهـ (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ـ 7/ 362). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله أيضا: ((وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا)) اهـ (فتح الباري 5/ 141).

فهل يعقل والنبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي والقائل: ((الحرب خدعة)) أن يتهاون مع يهودي حربي ويعطيه سلاحه كما يصور لنا كاتب الروايات الجنسية إبراهيم عيسى!!

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ساذجا ليفعل هذا مع يهودي محارب، وفي الواقع المعاصر كم من بلاد غير مسلمة مهادنة يمكن أن نتعامل معها في باب السلاح ونأمن جانبها مع أنها على غير ديننا، فهذا الحديث فيه سعة وتيسير لنا معشر المسلمين بدلا من التضييق في باب قد نحتاج إليه في يوم من الأيام!!

رابعًا: قوله: (من باب أولى أن يقترض من مليارديرات الإسلام الصحابة!!)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير