ولكن لهذا الحديث علة , وهي أن أسد بن موسى رواه عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن يحيى بن الحارث به. والوليد مدلس , وقد عنعنه , فلعله وصله مرة , ودلسه أخرى. وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن حمزة ومحمد بن شعيب بن سابور , وكلاهما عن يحيى ابن الحارث الذماري به. ورواه أحمد في المسند عن أبي اليمامة عن إسماعيل بن عياش , عن يحيى بن الحارث به , وقد صحح الحديث أبو حاتم الرازي , وإسماعيل إذا روى عن الشاميين فحديثه صحيح , وهذا إسناد شامي.
الاعتراض الثالث: أن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم. قال مالك في الموطأ: ولم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها , ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف , وإن أهل العلم يكرهون ذلك , ويخافون بدعته , وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء , لو رأوا في ذلك رخصة عن أهل العلم , ورأوهم يعملون ذلك , تم كلامه , قال الحافظ أبو محمد المنذري: والذي خشي منه مالك قد وقع بالعجم , فصاروا يتركون المسحرين على عادتهم والنواقيس وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام , فحينئذ يظهرون شعائر العيد. ويؤيد هذا ما رواه أبو داود في قصة الرجل الذي دخل المسجد وصلى الفرض , ثم قام يتنفل , فقام إليه عمر , وقال له " اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك , فبهذا هلك من كان قبلنا , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصاب الله بك يا ابن الخطاب ".
قالوا: فمقصود عمر: أن اتصال الفرض بالنفل إذا حصل معه التمادي وطال الزمن ظن الجهال أن ذلك من الفرض , كما قد شاع عند كثير من العامة: أن صبح يوم الجمعة خمس سجدات ولا بد , فإذا تركوا قراءة {الم تنزيل} قرءوا غيرها من سور السجدات , بل نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يخلط به صوم غيره فكيف بما يضاف إليه بعده؟ فيقال: الكلام هنا في مقامين:
أحدهما: في صوم ستة من شوال , من حيث الجملة والثاني: في وصلها به.
أما الأول فقولكم: إن الحديث غير معمول به: فباطل , وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به لا يوجب ترك الأمة كلهم له , وقد عمل به أحمد والشافعي وابن المبارك وغيرهم. قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب , على أنه حديث مدني , والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه , والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه: خشية أن يضاف إلى فرض رمضان , وأن يسبق ذلك إلى العامة , وكان متحفظا كثير الاحتياط للدين , وأما صوم الستة الأيام على طلب الفضل , وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان , فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله , لأن الصوم جنة , وفضله معلوم: يدع طعامه وشرابه لله , وهو عمل بر وخير , وقد قال تعالى {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} ومالك لا يجهل شيئا من هذا , ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك , وخشي أن يعد من فرائض الصيام , مضافا إلى رمضان , وما أظن مالكا جهل الحديث , لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت , وأظن عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه , وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عمر بن ثابت. وقيل: إنه روى عنه , ولو لا علمه به ما أنكر بعض شيوخه , إذ لم يثق بحفظه لبعض ما يرويه , وقد يمكن أن يكون جهل الحديث , ولو علمه لقال به , هذا كلامه.
وقال القاضي عياض: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء. وروي عن مالك وغيره كراهية ذلك , ولعل مالكا إنما كره صومها على ما قال في الموطأ: أن يعتقد من يصومه أنه فرض , وأما على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فجائز.
وأما المقام الثاني: فلا ريب أنه متى كان في وصلها برمضان مثل هذا المحذور كره أشد الكراهة , وحمي الفرض أن يخلط به ما ليس منه , ويصومها في وسط الشهر أو آخره , وما ذكروه من المحذور فدفعه والتحرز منه واجب , وهو من قواعد الإسلام.
فإن قيل: الزيادة في الصوم إنما يخاف منها لو لم يفصل بين ذلك بفطر يوم العيد , فأما وقد تخلل فطر يوم العيد فلا محذور. وهذا جواب أبي حامد الإسفراييني وغيره.
قيل: فطر العيد لا يؤثر عند الجهلة في دفع هذه المفسدة. لأنه لما كان واجبا فقد يرونه كفطر يوم الحيض , لا يقطع التتابع واتصال الصوم , فبكل حال ينبغي تجنب صومها عقب رمضان إذا لم تؤمن معه هذا المفسدة. والله أعلم.
ـ[السدوسي]ــــــــ[06 - 11 - 06, 11:35 ص]ـ
جهد موفق جزيت خيرا وقد كنت كتبت فيه ولكن ما كتبته أنت بارك الله فيك لامزيد عليه.