تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمذاكرة كانت منتشرة جداً عند المحدثين، وربما تذاكروا على أبواب المحدثين قبل دخولهم للسماع، وكانوا يتذاكرون أبواب الفقه أو مرويات أحد الرواة، أو يسأل أحدهم الآخر: ماذا تحفظ في كذا وكذا… الخ. وعلى هذا فربما يكون سبب بعض التفردات غير المحتملة ما علق في ذاكرة الراوي من إحدى مذاكراته.

ويقع الخطأ أحياناً بسبب الكتب إما بسبب الورَّاق [51] كما قال يحيى بن عبدك لما بعث إليه أبو زرعة الرازي برسالة ينبهه فيها على خطأ له فقال: (لا جزى الله الوراق عني خيراً، أدخل لي أحاديث المعلى بن أسد في أحاديث مُسدَّر، ولم أميزها منذ عشرين سنة، حتى ورد كتابك، وأنا أرجع عنه) [52].

وإما بسبب عدم إعجام كلمات الكتاب فيقع التصحيف كما وقع من بعضهم تصحيف (السبيعي) إلى (الشعبي) [53].

وإما بانتقال النظر كما حدث للإمام علي بن المديني في حديث أنكره عليه شيخه عبدالرحمن بن مهدي، فلما رجع إلى بيته كما يقول: (نظرتُ فإذا قبله حديث في هذه المسألة، وبعده: عبدالمؤمن رأيتُ سعيداً يتكلم في الطواف) وكان وهمه أنه قال: (رأيت سعيداً يشرب في الطواف) والصواب يتكلم [54].

وإما أن يحدث من كتب غيره فيخطئ بسبب ذلك [55]، وإما أن يقرأ في كتابٍ لم يسمعه فيعلق بقلبه ما ليس من حديثه [56]، وإما أن تشتبه عليه كتبه وتختلط فلا يميز ما سمعه من ذلك الشيخ عن ما سمعه من آخر، كما وقع لأبي اليمان الحكم بن نافع أحد الثقات؛ فقد روى حديثاً أنكره عليه النقاد، وأبان الإمام أحمد عن كيفية وقوعه في الخطأ حيث قال: (كان كتاب شعيب عن ابن أبي حسين ملصقاً بكتاب الزهري) [57]، وقال أبو اليمان: (الحديث حديث الزهري والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها) [58].

وأحياناً يكون الخطأ برفع المتن الموقوف على صحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأحياناً يكون الخطأ بسبب بُعد الراوي عن مكان الشيخ أثناء السماع، كما حدث ليزيد بن هارون في إسناد أخطأ فيه من حديث شعبة، وقال مبيناً سبب خطئه: (لقد سمعته من شعبة ببغداد، وكنتُ في آخر الناس، وأنا أشك فيه منذ سمعته) [59].

ومداخل الوهم كثيرة جداً يصعب حصرها، ويخشى على الصدوق إذا تفرد بما لا يُحتمل أن يكون وقع في شيء من ذلك، لا سيما مع وجود الأخطاء في مروياته، فكيف إذا كان معتمداً على حفظه وليس له كتاب، والحفظ خوَّان كما يقال؟!

والتفرد مشعر باحتمال وجود خطأ، بدليل أن الإمام مالكاً - وهو من كبار المتقنين - لما قيل له في حديث تفرد به: (لا يرويه غيرك. فقال: لو علمتُ هذا ما حدثت به) [60].

ومن ذلك قول أحد الرواة بعد أن روى حديثاً قال: (هذا خطأ، ولم أر أحداً تابعني عليه) [61].

5 - هذا الرأي هو الأحوط، وعلم الحديث قائم على الاحتياط، كما قال أحد كبار أئمة النقد وهو الإمام عبدالرحمن بن مهدي: (خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن، الحكم والحديث) [62].

ويقول ابن القطان الفاسي: (وأهل هذه الصناعة أعني المحدثين بنوها على الاحتياط، حتى صدق ما قيل فيهم: لا يخف على المحدث أن يقبل الضعيف، وخَفَّ عليه أن يترك من الصحيح، وبذلك حفظت الشريعة لما أراد الله عز وجل حفظها) [63].

فالقول بالتوقف في تفرد الصدوق غير المحتمل موافق لهذا الأصل العظيم الذي هو عماد علم الحديث، وعماد منهج كبار أئمة النقد، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الأمور بالاحتياط.


[1] التعديل والتجريح (2/ 524).
[2] أخرجه أحمد (2/ 423) وأبو داود (2350)، والحاكم (1/ 426)، والبيهقي (4/ 218).
[3] العلل لابن أبي حاتم (1/ 123، 256).
[4] التمييز (ص218).
[5] السلسلة الصحيحة (3/ 382).
[6] السنن الكبرى للنسائي (3/ 173) وسنن ابن ماجة (2525)، والمستدرك للحاكم (2/ 214)، والسنن الكبرى للبيهقي (10/ 289).
[7] السنن الكبرى للنسائي (3/ 173).
[8] تهذيب الكمال (13/ 319).
[9] تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 459 - 460)، ونصب الراية (3/ 278).
[10] معرفة السنن (14/ 407).
[11] بيان الوهم والإيهام (5/ 437)، ونصب الراية (3/ 278).
[12] بيان الوهم والإيهام (5/ 437)، ونصب الراية (3/ 278).
[13] إرواء الغليل (6/ 170).
[14] الجوهر النقي (10/ 290).
[15] المحلى (9/ 202).
[16] شرح العلل (2/ 477).
[17] الميزان (3/ 140).
[18] مصدر سابق (3/ 140).
[19] الضعفاء للعقيلي (2/ 247 - 249).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير