وقد هذَّب كتابه هذا الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب، فيذكر عند كلِّ ترجمة بعضَ شيوخ الراوي وتلاميذه وما ذكره المزي مِمَّا قيل فيه، ثمَّ يَختم الترجمةَ بذكر إضافات أخرى مبدوءة بقوله: (قلت)، وعندما ينظر طالبُ العلم في ترجمة الراوي في تهذيب التهذيب وما اشتملت عليه من جرح وتعديل يتساءل! ما هي النتيجة التي انتهى إليها الحافظ ابن حجر في الحكم على الراوي؟ والجواب على هذا التساؤل موجود عند الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب، فيقول عنه ثقة أو صدوق أو ضعيف أو غير ذلك. وكتاب المزي تهذيب الكمال هذّبه أيضاً الذهبي في كتابه تذهيب تهذيب الكمال، ولَخَّصه الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.
والفرقُ بين ما في التقريب والخلاصة أنَّ الحافظ ابن حجر في التقريب يثبت رأيَه في الراوي ويذكر طبقته، وأما الخزرجي في الخلاصة فإنَّه يذكر بعض شيوخ الراوي وبعض تلاميذه ويذكر بعض ما قيل في الحكم عليه جرحاً أو تعديلاً، وعند ذكر الصحابي يذكر عددَ الأحاديث التي له في الكتب الستة، وعددَ ما اتفق عليه البخاري ومسلم منها، وعددَ ما انفرد به كلُّ واحد منهما عن الآخر.
وفي كتاب تهذيب الكمال للمزي وما تفرع عنه من الكتب ذكرُ رواة ليس لهم رواية عند أصحاب الكتب الستة، ذُكروا لتمييزهم عن رواة مذكورين قبلهم لهم رواية عند أصحاب الكتب الستة، والرمز لهم في هذه الكتب بكلمة (تمييز) عند الترجمة.
فمثلاً: كثير بن أبي كثير جاء في هذه الترجمة خمسة رواة؛ الأول روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير، والثاني روى له البخاري في الأدب المفرد، والثلاثة الباقون ليس لهم رواية وإنَّما ذُكروا لتمييزهم عن الاثنين قبلهم.
وقد جمع أبو نصر الكلاباذي رجالَ صحيح البخاري في مؤلَّف خاص، وجمع أبو بكر بن منجويه الأصبهاني رجال صحيح مسلم في مؤلَّف خاص، وجمع بين الكتابين الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني، واسم كتابه "الجمع بين رجال الصحيحين" وكلُّها مطبوعة، وكتاب ابن القيسراني مختصر، وطريقته فيه أنَّه عندما يذكر التراجم التي تحت اسم واحد كأحمد مثلاً: يذكر من اسمه أحمد عند البخاري ومسلم، ثمَّ من اسمه أحمد عند البخاري ثمَّ من اسمه أحمد عند مسلم، ومِن أجلِّ فوائده أنَّ الراويَّ إذا كان قليلَ الرواية، فإنَّه يذكر مواضعَ أحاديثه في الصحيحين أو أحدهما، وذلك بذكر الكتاب الذي ورد فيه الحديث.
وقد ألَّف الشيخ يحي بن أبي بكر العامري اليمني في الصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين أو أحدهما كتاباً سماه "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة"، وهو كتاب عظيم الفائدة.
ومن المناسب ذكرُه هنا أنَّ للحافظ الذهبي كتاباً اسمه "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" اشتمل على تراجم لرجال ورد ذكرهم في تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وعلى تراجم لرجال غيرهم، وفيه ثقات ذَكرَهم لا لِنقْدِهم وإنَّما للدفاع عنهم؛ مثل علي بن المديني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.
وللحافظ ابن حجر كتاب كبير سَمّاه "لسان الميزان" بناه على كتاب الميزان للذهبي مع زيادات كثيرة عليه، وقد قصره على تراجم رجال لا ذكر لهم في كتاب تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وهو يُعتبر إضافة رجال آخرين إلى رجال أصحاب الكتب الستة.
وقد جمع متون الكتب الستة وسادسها الموطأ أبو السعادات ابن الأثير في كتابه "جامع الأصول"، وهو مطبوعٌ متداولٌ، وقد هذّب به كتاب رَزين العبْدَري "التجريد للصحاح والسنن"، ويرمز عند كلِّ حديث للَّذين خرَّجوه من الأئمة الستة، وفيه أحاديث زائدة على ما في الكتب الستة وهذه الزيادات لرَزين، وعلامتها في جامع الأصول خلوها من الرموز أمامها.
وابن الأثير رَتَّب كتابه "جامع الأصول" على كتب مرتبة على حروف الهجاء، فيذكر في كلِّ كتاب ما يتعلق بموضوعه.
وإذا أراد طالبُ العلم الوقوف على حديث في الكتب الستة وهو يعرف متنه فيمكنه ذلك بالبحث عنه في مَظنته من الكتب التي اشتملت عليها الكتب الستة؛ فإذا كان الحديثُ يتعلق بالإيمان مثلاً بحث عنه في كتاب الإيمان من الصحيحين والسنن، وإذا كان يعرف اسم الصحابي راوي الحديث رجع إلى "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، فإنه يذكر أماكن وجود الحديث في الكتب الستة، أو رجع إلى كتاب "ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" للشيخ عبد الغني النابلسي فإنَّه يذكر طرف الحديث، ويذكر من خرَّجه من أصحاب الكتب الستة بالإضافة إلى الإمام مالك في الموطأ، مع ذكر شيخ المؤلف فيه.
ويُمكن الاهتداءُ إلى موضع الحديث في الكتب الستة بمعرفة بعض الكلمات في الحديث المعين فيرجع إلى كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" الذي بني على الكتب الستة والموطأ وسنن الدارمي ومسند الإمام أحمد، فيبحث عن الكلمة، فإذا كان الحديثُ في هذه الكتب وجد الدلالة على موضعه منها، وذلك بذكر اسم الكتاب ورقم الباب، إلاَّ في صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك فإنَّه يكون بذكر اسم الكتاب ورقم الحديث فيه، وإلاَّ في مسند الإمام أحمد فإنَّ الإشارة فيه إلى الجزء والصفحة من الطبعة ذات الستة أجزاء.
في الختام: أسأل الله عز وجل أن يوفِّقَنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يوفِّقَنا لتحصيل العلم النافع والعمل به، إنَّه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
*
([1]) ألقيت هذه المحاضرة قبل عشرين سنة، وجرى تحريرها لطباعتها هذا العام (1423هـ)، وكانت وفاة شيخنا رحمه الله في السابع والعشرين من شهر المحرم عام (1420هـ).
¥