ومثّل ابن الصَّلاَحِ لتصحيف الْمَتْن بمثال آخر فَقَالَ: ((وفي حَدِيْث أبي ذر: ((تعين الصانع))، قَالَ فِيْهِ هشام بن عروة – بالضاء المعجمة – وَهُوَ تصحيفٌ، والصواب ما رواه الزهري: ((الصانع)) – بالصاد المهملة – (23) ضد الأخرق (24))) (25).
القسم الثالث: تصحيف البصر:
وَهُوَ سوء القراءة بسبب تشابه الحروف والكلمات وهذا يحصل في الأعم لِمَنْ يأخذ من الصحف دون تلقٍ.
مثاله: ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إِلَيْهِ بإسناده عن زيد بن ثابت: ((أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد)) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((إنما هُوَ بالراء: ((احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فِيْهَا)) (26) فصحّفه ابن لهيعة؛ لكونه أخذه من كتاب بغير سَمَاع)) (27).
وَقَالَ الإمام مُسْلِم: ((هَذِهِ رِوَايَة فاسدة من كُلّ جهة. فاحشٌ خطؤها في الْمَتْن والإسناد، وابن لهيعة المصحف في متنه، المغفل في إسناده)) (28).
وَقَدْ وصف السخاوي تصحيف البصر بأنه الأكثر (29).
القسم الرابع: تصحيف السمع:
ويحدث بسبب تشابه مخارج الكلمات في النطق فيختلط الأمر عَلَى السامع فيقع في التصحيف أَوْ التحريف.
نحو حَدِيْث لـ: ((عاصم الأحول))، رَوَاهُ بعضهم فَقَالَ: ((عن واصل الأحدب)) وَقَدْ ذَكَرَ الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أنَّهُ من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((كأنه ذهب – والله أعلم – إلى أن ذَلِكَ مِمَّا لا يشتبه من حَيْثُ الكتابة، وإنما أخطأ فِيْهِ سمع من رَوَاهُ)) (30).
القسم الخامس: تصحيف اللفظ
ومثاله ما ورد عن الدَّارَقُطْنِيّ: أن أبا بكر الصولي (31) أملى في الجامع حَدِيْث أبي أيوب: ((من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال)) (32)، فَقَالَ فِيْهِ: ((شيئاً)) – بالشين والياء – (33).
قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((تصحيف اللفظ وَهُوَ الأكثر)) (34).
القسم السادس: تصحيف المعنى دون اللفظ:
مثاله: قَوْل مُحَمَّد بن المثنى (35): ((نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزة)) (36) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((يريد ما روي: ((أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة)) (37) فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة هاهنا حربة نصبت بَيْنَ يديه فصلى إليها)) (38).
.................................................. ....................
(1) تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ 1/ 39.
(2) تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ 1/ 39.
(3) نُزهة النظر: 127، وانظر: تدريب الرَّاوِي 2/ 195، وألفية السيوطي: 203، وتوضيح الأفكار 2/ 419 مع حاشية محيي الدين عَبْد الحميد.
وَقَالَ الدكتور موفق بن عَبْد الله في كتابه " توثيق النصوص ": 166: ((وسبق الحافظ ابن حجر في هَذَا التفريق الإمام العسكري في كتابه " شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف والتحريف ")).
(4) ولأهمية هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث فَقَدْ صنف فِيْهِ العلماء عدة كَتَبَ مِنْهَا:
تصحيف العلماء: لأبي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُسْلِم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه).
التنبيه عَلَى حدوث التصحيف: لحمزة بن الحسن الأصفهاني (ت 360 ه)، وَهُوَ مطبوع.
التنبيهات عَلَى أغاليط الرُّوَاة: لأبي نعيم علي بن حمزة البصري (ت 375 ه).
شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف والتحريف: لأبي أحمد الحسن بن عَبْد الله العسكري (ت 382 ه).
تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ: لأبي أحمد الحسن بن عَبْد الله العسكري، وَهُوَ مطبوع.
تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ: للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ (ت 385 ه).
إصلاح خطأ الْمُحَدِّثِيْنَ: لأبي سليمان حمد بن مُحَمَّد الخطابي (ت 388 ه).
الرد عَلَى حمزة في حدوث التصحيف: لإسحاق بن أحمد بن شبيب (ت 405 ه).
متفق التصحيف: لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني (ت 456 ه).
تلخيص المتشابه في الرسم، وحماية ما أشكل مِنْهُ عن بوادر التصحيف والوهم: للخطيب البغدادي (ت 463 ه).
تالي التلخيص: لأبي بكر أحمد بن علي الْخَطِيْب (ت 463 ه).
مشارق الأنوار عَلَى صَحِيْح الآثار: لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 ه).
¥