ولنستمع الآن إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ وهو ما رواه الإمام البخاري في الإيمان رقم (50) وفي التفسير رقم (4777)، ومسلم في الإيمان رقم (9) عَنْهُ ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال:" الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث "، قال: ما الإسلام؟ قال:" الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان "، قال: ما الإحسان؟ قال:" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، قال: متى الساعة؟ قال:" ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله "،ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله عنده علم الساعة} الآية، ثم أدبر، فقال:" ردوه " فلم يروا شيئا، فقال:" هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ـ يعني البخاري ـ: جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الإِيمَانِ.
أهمية الحديث:
قال ابن دقيق العيد: هذا حديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن "؛ لما تضمنه من جمعها معاني القرآن (18).
وسيأتي لهذا مزيدُ بيان في ختام مسرد الفوائد إن شاء الله تعالى.
مفردات الحديث:
"ووضع كفيه على فخذيه": أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب. وفي رواية النسائي: "فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ".
"فعجبنا له يسأله ويصدقه": أي أصابنا العجب من حاله، وهو يسأل سؤال العارف المحقق المصدق. أو عجبنا لأن سؤاله يدل على جهله بالمسؤول عنه، وتصديقه يدل على علمه به.
"أماراتها": بفتح الهمزة جمع أمارة: وهي العلامة. والمراد علاماتها التي تسبق قيامها.
"أن تلد الأمة ربتها": أي سيدتها. وسيأتي بيانه (انظر الفائدة رقم 35).
"العالة": جمع عائل، وهو الفقير.
"فلبثتُ ملياً": انتظرتُ وقتاً طويلاً (18أ).
فوائد الحديث:
(1) الإيمان قول وعمل ونيّة. فهو قول باللسان، وتصديق بالجَنَان (اعتقاد جازم بالقلب)، وعمل بالأركان (يعني الجوارح)، وهذه كلها اشتمل عليها هذا الحديث.
(2) وجاء في بعض روايات هذا الحديث (18ب) في أوله:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو , فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه , قال: فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه ".
استنبط منه الإمام القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه.
(3) وفيه إجابة السائل بأكثر مما سأل.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجاب السائل عن الساعة؟ بجواب جامع " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " لم يكتف بذلك وإنما زاده أن بين له بعض أماراتها، فقال " وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّتهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ "، ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيَةَ.
وحديث عمر هذا يرويه عنه ولدُهُ عبدُ الله: فعن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى
¥