تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل .... فذكر الحديث (17أ).

ولقد تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك إرشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة.

أنت ترى أنهم سألوه عن علم الله، وعن القَدَرِ؟ فكان يكفيه أن يبيّن لهم معنى الإيمان، وأن القَدَرَ من الإيمان. لكنه أخبره عن معنى الإيمان والإسلام والإحسان وغير ذلك. وليس في هذا خروج عن النهج السَّويِّ لعلم ابن عمر مدى ترابط هذه الأصول الثلاثة، والواجب معرفتها جميعا.

ودليل فعل ابن عمر من السنة: ما جاء عن أبي هريرة قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (19).

(4) السؤال عن العلم النافع في الدنيا والآخرة، وترك السؤال عما لا فائدة فيه.

(5) قال القاضي عياض (20):" وفي جملة حديث السائل من الفقه ... أمر العالم الناس سؤاله عما يحتاجون إليه ليُبيّنه لهم، وأنهم إن لم يحسنوا السؤال ابتدأ التعليم من قبل نفسه؛ كما فعل جبريل، أو يجعل من يسأل فيجيب بما يلزمهم علمه ".

(6) التعليم عن طريق السؤال: طريقة السؤال والجواب، من الأساليب التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح.

كما ينبغي لمن حضر مجلس علم، ورأى أن الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن يسأل هو عنها ـ وإن كان هو يعلمها ـ لينتفع أهل المجلس بالجواب.

فقد كان غرض جبريلَ عليه السلام من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون، وهذا ما بينه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.

وفي رواية أبي هريرة عند البخاري ومسلم: هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا.

وهذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها سيدُنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعليم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

ونضرب مثالا: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " (21).

مثالٌ آخر: وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" تدرون من المسلم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" من سلم المسلمون من لسانه ويده قال:" تدرون من المؤمن؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، والمهاجر من هجر السوء؛ فاجتنبه " (22).

مثالٌ آخر: وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا " (23).

(7) وفي قوله " حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه " دليل على لزوم تأدب المتعلم بين يدي من يتعلم منه.

(8) وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل؛ لصنيعه المتقدم في جلوسه، ولتخطيه الرقاب حتى جلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكونه ناداه باسمه مادا صوته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير