يعنى أن من آمن بالله، ولم يؤمن بالرسل ولم يصدقهم، لا يصح إيمانه ولا يعتبر مؤمنا.
ومن آمن بالملائكة، ولم يؤمن باليوم الآخر، لا يعتبر مؤمنا.
وإنما يكون مؤمنا إذا جمع الإيمان بالأركان كلها.
(27) قال الحافظ ابن حجر (31):" جاء في رواية البخاري: السؤال عن الإيمان أولا؛ قيل: قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل , وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى , وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما.
وقيل في رواية مسلم: بدأ بالإسلام؛ لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن. ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي (31).
قال الحافظ:" ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها , وليس في السياق ترتيب، ويدل عليه رواية مطر الوراق [أحد رواته] فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان , فالحق أن الواقع أمر واحد , والتقديم والتأخير وقع من الرواة. والله أعلم.
(28) في الحديث دلالة على وجوب إخلاص العمل، وأن نبتغي به وجه الله تعالى، ويؤخذ من بيانه لمعنى الإحسان:" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ".
(29) وفي قوله:" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ " بيان للزوم مراعاة آداب العبودية لله تعالى. قال النووي: معناه أنك إنما تراعى الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك , لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك , فأحسن عبادته وإن لم تره , فتقدير الحديث: فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك. قال: وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين , وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين , وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين , وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم , وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم , فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته؟
(30) قال الحافظ ابن حجر (31): ودل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة , وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر , وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي أمامة بقوله صلى الله عليه وسلم:" واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا".
قلت: هكذا وقع عنده عن أبي أمامة، وما في كتاب مسلم (2931) إنما هو عن عمر بن ثابت الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، ولفظه:" قال تَعلَّموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت " وإنما هو من حديث أبي أمامة عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن ماجه في سننه: في الفتن برقم (4077)،ورواه من حديث عمر بن ثابت الترمذي في الفتن (2235)، وأحمد في المسند برقم (23160). ورواه أحمد في المسند برقم (22258) وأبو داود في الفتن باب خروج الدجال برقم (4320)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ولقد تتبعت مرويات أبي أمامة في صحيح الإمام مسلم فوجدتها ستة أحاديث وليس فيها هذا الذي ذكره الإمام الحافظ.
ولعل الحافظ ثبت عنده أن هذا المبهم هو أبو أمامة.
وغالب ظنّي أن ما ذَكره هو في إحدى نسخ الصحيح التي يرويها الحافظ بإسناده إلى الإمام مسلم. وإنما أرجح هذا؛ لأن الحافظ عزى الحديث إلى صحيح مسلم مرارا، فقد قال عند شرح الحديث رقم (4855):" ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع، فيه: [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] وأخرجه ابن خزيمة أيضا من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت ".
وقال عند شرح الحديث رقم (6507):" وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة ـ مرفوعا، في حديث طويل ـ وفيه: [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا].
وقال عند شرح الحديث رقم (6574):" وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة، فذكره.
وقال عند شرح الحديث رقم (7068):" وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث آخر [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا].
فليس هذا من قبيل الوهم.
(31) وفي الحديث وجوب مراقبة الله تعالى.
قال تعالى {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} (33).
وقال جل ثناؤه: {إن الله كان عليكم رقيبا} (34).
¥