قال الحافظ في الفتح (31): لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودا حين المقالة , والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره في صدر الإسلام , وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة.
ومنها: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام. فأطلق عليه ربها مجازا لذلك. أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه , ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة. ومحصله الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا والسافل عاليا , وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض، وفي رواية " رؤوس الناس ".
قال: ووصف الرعاة بالبهم لأنهم مجهولو الأنساب , ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته.
قلت: وهذا ملاحظ في ولاة أمور الأمّة ورعاتها، ومن يسوس أمرها؛ فإن فيهم من هو مجهول النسب، أو من يزعم الشرافة فيه. ويؤيد ذلك قوله في رواية الإمام أحمد في المسند (40)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (41) " قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب".
وفي حديث [أبي مالك، أو أبي عامر] قال: ومن أولئك يا رسول الله؟ قال:" العَريبُ ".
(36) في قوله " أن تلد الأمة ربتها " وفي لفظ " ربّها " جواز إطلاق الرب على السيد المالك، أو المربي (31).
(37 - 38) وفيه بيان قدرة الملك على التمثل بالصورة البشرية، وفيه أيضا جواز رؤية الملك أو سماع كلامه. قال الحافظ ابن حجر:" وفيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع , وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة ". قال البيهقي: وروينا عن جماعة من الصحابة أن كل واحد رأى جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي (42).
وأخرج أحمد، والبخاري تعليقا، ومسلم، والنسائي، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسيد بن حضير أنه رأى شيئا كهيئة الظلة فيه مثل المصابيح مقبل من السماء. قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" تلك الملائكة دنت لصوتك ".
وأخرج الحاكم مثله (43) وزاد:" إنك لو مضيت لرأيت العجائب ".
وأخرج البخاري في الصحيح (44) حديث بناء البيت الحرام ... وفيه فلمّا أشرفت ـ هاجر ـ على المروة، سمعت صوتا، فقالت: صه، تريد نفسها. ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث فأغث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال .. بجناحيه، حتى ظهر الماء ... وفيه قال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيتا لله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيع أهله.
قال الشيخ عبد الله صديق الغماري الحسني: وممّا يؤخذ من القصة أنّ الملك قد يظهر للشخص الصالح ويكلمه، فقد ظهر جبريل عليه السلام لهاجر، وكلّمها مبشرا لها بأنّ ابنها سيبني البيت مع أبيه وتلك كرامة أكرمها الله بها، ولم يصب من قال: أنها كانت نبية (45).
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده (46). وابن جرير في تفسيره، وأبو نعيم والبيهقي، كلاهما في دلائل النبوة، والطبراني (47) عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه أنه قال بعدما عمي: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة عيانا لا أشك ولا أتمارى.
قال ابن القيم: رؤية الملائكة والجن، تقع أحيانا لمن شاء الله أن يريه ذلك (48).
(39) ردّ العلم إلى الله تعالى. وقد كان الصحابة الكرام إذا سُئلوا عن شيء لا يعلمونه، قالوا: الله ورسوله أعلم. وهذا أدب مع الله تعالى إذ يردون العلم إليه، وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هو مصدر التلقي والمبلغ عن ربه عزَّ وجل.
ويظهر هذا في قول عمر عندما سأله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قال: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
¥