وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو حينَ سأل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ؟ ... تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وجاء في حديث اجتماع موسى بالخضر عليهما السلام: أن موسى عليه السلام قام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بمجْمع الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعلَمُ منك، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ، وانطلق بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ .... الحديث (49).
(40) وينبغي لمن سئل عن شيء لا يعلمه، أن يقول: لا أعلم، أو: لا أدري، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته , بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وتقواه.
وقد كان علماء السلف يرون أن " لا أدري " نصف العلم.
(41) وينبغي لمن أراد أن يستفهم عن أمور تنفعه أن يحسن اختيار السؤال.
(42) قال ابن المنير: في قوله " يعلمكم دينكم " دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما , لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال , ومع ذلك فقد سماه معلما , وقد اشتهر قولهم: حسن السؤال نصف العلم , ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث لأن الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معا (31).
(43) الإيمان أعلى من الإسلام، والإحسان أعلى من الإيمان؛ فكل مؤمن مسلم، ولا ينعكس، قال تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} (50). وكل محسن مسلم ومؤمن، وليس كل مؤمن محسنا، قال تعالى {وقليل من عبادي الشكور} (51)، وقال جل ثناؤه: {والسابقون السابقون أولئك المقربون} إلى قوله {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} (52).
(44) فيه دليل لمن قال: إن الإسلام يغاير الإيمان.
والحق ـ كما قال علماؤنا ـ إن فيهما اجتماع وافتراق، وعموم وخصوص، فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
يعنى إذا ذكرا في سياق واحد؛ كان بينهما تغاير في المعنى، وهذا مقتضى حديث جبريل عليه السلام، ولقوله تعالى {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}.
وإذا ذكر أحدهما في سياق؛ فإنه يتضمن معنى الآخر ..... كقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} (53). وقوله سبحانه {ورضيت لكم الإسلام دينا} (54).
وأما اجتماعهما مع اتفاقهما في المعنى في قوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} (55). فقد أجاب عنه الحافظ ابن كثير، فقال " اتفق الاسمان ههنا لخصوصية الحال ولا يلزم ذلك في كل حال (56).
وقال ابن جزي الغرناطي: الإسلام معناه في اللغة الانقياد مطلقا ومعناه في الشريعة الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنطق باللسان والعمل بالجوارح، وأما الإيمان فمعناه في اللغة التصديق مطلقا ومعناه في الشريعة التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فالإسلام والإيمان على هذا متباينان؛ وعلى ذلك قوله تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وقد يستعملان مترادفين كقوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا بيت من المسلمين} وقد يستعملان متداخلين بالعموم والخصوص فيكون الإسلام أعم إذا كان الانقياد باللسان والقلب والجوارح؛ لأن الإيمان خاص بالقلب، ويكون الإيمان أعم إذا قلنا: إنه قول اللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ـ وهو قول كثير من السلف ـ وإذا قلنا أن الإسلام باللسان والجوارح خاصة (57).
(45) قوله صلى الله عليه وسلم " أتاكم يعلمكم دينكم " فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا (58).
(46) استحباب حضور مجالس العلم على أحسن هيئة وأكملها، فقد جاء وصف السائل بكونه " شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر "، ووصفه في رواية البيهقي " أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا، كأن ثيابه لم يمسّها دنس "؛ وهذا دليل النظافة وحسن الهيئة (59).
¥