وهذا هو مرادنا: اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
2 - قال ابن حجر في النزهة: " لأن الزيادة:
إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره،
وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح ":
فالقسم الثاني الذي ذكره ابن حجر هو قسم (زيادة الثقة المردودة)، ويظهر في كلام ابن حجر فيه أن الزيادة إنما تردّ عند وجود القسم الثاني هذا فقط، تأمل قوله: " فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها ... "، فما سواها - في مفهوم كلام ابن حجر - لا يُرجَّح بين زائدها وتاركها؛ فتقبل.
ويدلُّ على هذا: أن الزيادة في كلام ابن حجر قسمان: قسمٌ يُقبل؛ وهو ما لا منافاة فيه، وقسم يُرجَّح فيه؛ وهو ما كانت فيه المنافاة، فالزيادة المقبولة لا تخرج عن القسم الأول، والزيادة المردودة لا تخرج عن القسم الثاني،
وحصرُ الردِّ في تحقُّق القسم الثاني يعني: حصرَ الردِّ في كون الزيادة " منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الزيادة الأخرى "،
وهذا مرادنا: فإن حصر الرد في وجود المنافاة= هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
3 - قال المباركفوري في التحفة: " وعرَّف - يعني: النيموي - الشاذَّ بأنه ما رواه الثقة مخالفًا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وأعمّ من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا ... "،
ثم قال: " قلت: تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح، وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة. وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل فالملزوم مثله ".
وكلام النيموي ثم المباركفوري هنا في الشاذ من زيادات المتون، وهي (زيادة الثقة المردودة).
فنقل المباركفوري أن النيموي يردُّ الزيادة عند مخالفتها من أي وجه، ثم نصَّ - المباركفوري - على أنه - النيموي - يردُّ الزيادة حتى لو كانت غير منافية، وفي نصِّه هذا إشعارٌ بأن هذه الجملة هي محل النظر في كلام النيموي،
ثم بيَّن ذلك، فقال بعد أن ذكر أن تعريف النيموي غير صحيح: " وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل "،
فنصَّ هنا مرةً أخرى على عدم المنافاة، وأبطل أن تُردَّ الزيادة مع كونها غير منافية.
فردُّ الزيادة مع عدم المنافاة خطأٌ وباطلٌ عند المباركفوري، وهذا هو مرادنا: اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
وفي بقية كلام المباركفوري ما يدل على اشتراط المنافاة أيضًا.
الصنف الثاني: تصرُّفاتهم:
ولعل هذا المجال أرحب من سابقه.
فمن ذلك:
1 - قال النووي في المجموع (3/ 425): " واحتجوا في أن الأنف لا يجب بالأحاديث الصحيحة المطلقة في الأمر بالجبهة من غير ذكر الأنف، وفي هذا الاستدلال ضعف، لأن روايات الأنف زيادة من ثقة، ولا منافاة بينهما "،
فرفض النووي ردَّ الزيادة، لعدم المنافاة،
ومتى يكون الردّ صحيحًا إذن عند النووي؟ إذا كان ثمَّ منافاة.
وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
2 - نقل ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 155) قول أبي علي النيسابوري في زيادة (وإذا قرأ فأنصتوا): «خالف جرير عن التيمي أصحاب قتادة كلهم»، ثم قال - أي: ابن التركماني -: " ولا نسلم أنه خالفهم، بل زاد عليهم، وزيادة الثقة مقبولة "،
فرفض ابن التركماني اعتبار هذه الزيادة مخالفة مردودة، فهو يرى أنها زيادة غير مخالفة؛ ويظهر أنه لأنها غير مخالفة من جهة المعنى (أي: غير منافية)، وعليه: فقد رفض ابن التركماني ردَّ الزيادة؛ لأنها غير منافية،
فمتى يكون الرد صحيحًا إذن عنده؟ إذا كان ثمَّ منافاة.
وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
3 - قال الألباني في تمام المنة (ص222) في الكلام على زيادة: " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " في حديث وائل بن حجر في صفة الصلاة: " فمن الخطأ الجلي رد التحريك المذكور فيها لتفرد زائدة بن قدامة به دون سائر أصحاب عاصم بن كليب، وذلك لأمرين:
الأول: أنهم رووا الإشارة، وهي لا تنافي التحريك كما تقدم ... "،
فرفض الألباني قبول الزيادة؛ لأنها غير منافية.
ويكون ردّ الزيادة مقبولاً إذا كانت منافية، وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
ومنهج المتأخرين في هذه القضية واضح، والمشاحّة فيه نوع مماحكة وتكلّف - فيما يبدو لي -.
وقد بيّنتُ لك أن المهم: المنهج العملي الذي نسير عليه، وهو منهج المتقدمين من المحدثين، وهو الأولى بالتحرير والعناية.
¥