تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا التساهل انعكس بالتأكيد على النسخ التي دونت بعد ذلك، فلم تخل من السقط، والغلط، في مواضع، والراوي قد ينشط فيذكر زيادات في مجالس، وقد يكسل فلا يذكرها في مجالس أخرى، فتكون روايته أشبه ما تكون بالاختصار، أو الرواية بالمعنى، تماما كما كان المتقدمون يتساهلون في مجالس المذاكرة، فلا يذكرون الأسانيد والمتون كاملة، ولذا كان أحمد، رحمه الله، لا يجيز لأحد أن يتحمل عنه في مثل هذه المجالس، فإن أراد الراوي أن يتحمل عنه ما ذاكراه سويا، أمر بكتابه، ليحدثه منه.

أما أن يقال بأن في الصحيح سقطا، لمجرد وقوع نقص في بعض نسخه، فهذا ما لا يتصور لأن فيه قدحا في الأصل ببعض فروعه، والأولى التعامل مع مواضع الاختلاف في هذه النسخ، كالتعامل مع روايات متعددة لحديث واحد، وقع فيها الاختلاف، فإما أن يجمع بينها، وإما أن يرجح بعضها على بعض تبعا لثقة الراوي وموافقته أو مخالفته لمن شاركه من الحفاظ في الرواية عن شيخه، فعلى سبيل المثال، يقول الحافظ، رحمه الله، معلقا على رواية: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ) التي أوردها البخاري في باب: "فضل العمل في أيام التشريق":

كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْإِبْهَامِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ" وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، (أي أيام التشريق) .......................... وَالسِّيَاقُ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَيْخِ كَرِيمَةَ بِلَفْظِ " مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَشْرِ " وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ غُنْدُرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ " فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ " وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ " يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، وَكَذَا رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ " مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ".

فكريمة قد خالفت جمعا من الثقات شاركوها في الرواية عن الكشميهني، فحكم على روايتها بالشذوذ، الذي يحاكي الشذوذ الاصطلاحي في قرون الرواية الشفوية الذي هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وقد رجح الحافظ، رحمه الله، شذوذ روايتها من جهة:

مخالفتها لمن شاركها من الحفاظ في الرواية عن الكشميهني.

ومن جهة: روايات أخرى خارج الصحيح أيدت رواية من خالفها من الحفاظ.

فيقال عندئذ: "وقع في بعض نسخ البخاري"، وهي هنا نسخة: "كريمة": لفظ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ" بنفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في أيام التشريق، وهو مخالف لرواية الجماعة عن الكشميهني، مع كونه موافقا لظاهر الترجمة، بادي الرأي، وهو ما تكفل الحافظ، رحمه الله، ببيانه، إذ يقول:

"فظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، (أي زال الشذوذ بقبول رواية الجماعة والحكم على رواية كريمة بالشذوذ)، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّيْءَ يُشْرِفُ بِمُجَاوَرَتِهِ لِلشَّيْءِ الشَّرِيفِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَقَعُ تِلْوَ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير