تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذلك لا بد من إعادة بناء الجسور التي هدمت بين هذه التخصصات إذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض من جديد، ويأتي هذا البحث في هذا الإطار الذي أرجو أن يعيد للأمة شيئا من تماسكها الثقافي في وجه ما تلاقيه من هجمات شرسة في كل مجالات الحياة.

وسأتناول جانب الحديث النبوي والجانب الفلكي، دون الخوض في الجانب الفقهي الذي يحتاج بحثا خاصا، وقد كُتبت فيه فعلا بحوث متعددة قديما وحديثا.

والله الموفق وعليه وحده الاتكال.

بماذا يثبت الشهر؟

لاشك أن الشهر يثبت بالرؤية، ولا شك أنه يثبت بالإتمام عندما يغم على الناس، كما كان ذلك متبعا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى عصرنا هذا، ولكن هل يثبت الشهر بالحساب والتقدير؟ في هذه المسألة رأيان مشهوران:

أولهما: أن الشهر لا يثبت بالحساب والتقدير وهو قول الجمهور قديما وحديثا.

ثانيهما: أن الشهر يثبت بالحساب والتقدير وهذا الرأي لم يقل به في القرون الأولى إلا قلة، ولكن أتباعه يزدادون جيلا بعد جيل.

أدلة الرأي الأول ومناقشتها:

استدل أصحاب الرأي الأول بما يلي:

1. بحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ).

قال ابن حجر العسقلاني: إن الحديث علق الحكم بالصوم بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.

وقال القرطبي تعليقا على الحديث: إن الله لم يكلفنا في تعرف مواقيت صومنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفتها الحُسَّاب وغيرهم.

فالحديث ينفي ولا ينهى، إنه ينفي أن تكون الأمة الإسلامية في ذلك الوقت أمة متقدمة في العلوم بعامة وفي علم الفلك بخاصة، وليس في الحديث نهي عن الحساب، وإلا كان معناه تحريم علم الحساب بعامة - أي علم الرياضيات - وتحريم حساب حركة الأجرام السماوية بخاصة - أي علم الفلك – ولم يقل بهذا أحد.

بل لو أننا فهمنا الحديث على هذا النحو لكان معناه تحريم تعلم الكتابة أيضا لأن الحديث يقول (لا نكتب) وهذا ما لم يقل به أحد، ويتعارض مع كل الآيات والأحاديث التي تأمر بالعلم بمعناه الشامل.

2. وبحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ).

فقالوا إنه لا بد من الرؤية، لأن الحديث رتب الأمر بالصوم على الرؤية، وقد تعبدنا الله بذلك.

وقد جعل أصحابُ هذا الرأي الرؤية شرطا لثبوت الشهر، ولم يعتبروها وسيلة لإثباته، وهذا مرجوح لأمور:

أولها: أن الشهر يثبت بالإكمال في حال الغيم بنص الأحاديث المعروفة التي ستأتي في أدلة أصحاب الرأي الثاني، ولذلك لا تشترط رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الثلاثين لإثبات دخول الشهر باتفاق، لأن وجوده في هذه الحالة لا شك فيه، فالعبرة إذن بتيقن وجوده مع إمكان رؤيته لو لم يحل دون ذلك غمام.

ثانيها: أنهم لم يطبقوا ذلك على أحاديث أخرى كحديث (إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم)، والمسلمون منذ زمن طويل يصومون ويفطرون على الحساب والتقدير من غير نكير، ولا يراقبون طلوع الفجر وغروب الشمس بالعين كما كانوا يفعلون زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن من بعده من أهل القرون الأولى الفاضلة، فلماذا لم يجعلوا الرؤية هنا شرطا للإفطار؟.

ثالثها: أن الحديث خرج مخرج الغالب، كما هو الشأن في كثير من النصوص الشرعية، والسبب في ذلك أن هذه هي الوسيلة التي كانت متاحة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن متاحا للأمة الإسلامية في ذلك الوقت الحساب الفلكي القطعي، بل ولا الذي يحقق غلبة الظن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير