3. أن الحساب من علم النجوم، وقد نهانا الإسلام عن ذلك، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي).
قال ابن بزيزة: فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حدس وتخمين ليس فيه قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق.
وهذا الدليل أيضا لا يدل على النهي عن تعلم حساب حركة النجوم ولا عن اعتماده في إثبات الشهر، بل هو نهي عن التنجيم الذي هو ادعاء علم المستقبل من خلال حركة النجوم، والزعم أن للنجوم تأثيرا في حياة الإنسان وأن مستقبل الإنسان يتحدد بناء على برجه أي التاريخ الذي ولد فيه.
4. أن الحساب ظني لا تقوم به الحجة، كما في كلام ابن بزيزة الآنف الذكر، والدليل على أنه ظني أن التقاويم التي تصدر عنهم تختلف في بدايات الشهور فيما بينها.
ولقد كان هذا الدليل صحيحا في القرون الأولى من الإسلام، ولكن علم الفلك تقدم كثيرا بعد ذلك عبر القرون، حتى أصبح قبل مئات السنين في نطاق غلبة الظن، ثم أصبح في مسألة بداية الشهر القمري علما قطعيا كما سأبينه لاحقا.
5. أن في الحساب تكليفا للناس بما لا يطيقون، قال النووي: قالوا ولا يجوز أن يكون المراد - أي بحديث فاقدروا - حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم. وكما في كلام ابن حجر وابن بزيزة الذي سبق ذكره، فمن أين للناس في كل بلدة أو قرية متخصص في علم الفلك.
وهذا كلام صحيح فيما مضى أيضا حينما كانت وسائل المواصلات بطيئة، ولم يكن من الممكن أن يُنقل خبر بداية الشهر إلى أماكن بعيدة خلال ساعات أو يوم، ولكن هذا في عصرنا عصر الإذاعة والتلفزيون والهاتف والفاكس والإنترنت لا يكلف الناس شيئا من المشقة، بل إن الحساب الآن أسهل عليهم من المراقبة بالعين المجردة في كل منطقة، فيكفي وجود عدد قليل من المتخصصين في علم الفلك في العالم الإسلامي كله يحددون بداية الشهر ويبلغون الناس بذلك في دقائق.
وهكذا وبعد مناقشة الأدلة فإن أدلة هذا الرأي بعضها لا يصح أصلا، وبعضها يصف واقعا معينا قبل قرون طويلة ولا ينطبق ذلك على عصرنا إطلاقا.
أدلة الرأي الثاني ومناقشتها:
يمكن أن يُستدل لأصحاب الرأي الثاني بما يلي:
1. بقول الله تعالى {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه … الآية}.
2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ).
ووجه الاستدلال بهذين الدليلين أن الله قد فرض علينا أن نصوم كل أيام شهر رمضان متى ثبت الشهر، وقد كانت الرؤية ثم الإكمال خير وسيلة لذلك، أما الآن فإن الحساب هو الوسيلة الأفضل لبعدها عن الخطأ، ويؤكد ذلك الدليل التالي.
3. عن ابن عمر رَضِي اللَّه عَنْهمَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ).
قالوا إن هذا الحديث يدل على أن الأصل في إثبات الشهر أن يكون بالحساب، ولأن هذا الأصل غير متيسر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقد تم اللجوء إلى البديل وهو الرؤية، وإلا فما وجه ذكر أن الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب؟ أي يكون معنى مجموع الأحاديث كما يلي: لأننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب صوموا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا، فالعلة في إثبات الشهر بالرؤية هي أن الأمة لا علم لها بعلم الفلك، والمعلول يدور مع العلة وجودا وعدما، أما في عصرنا فقد تيسر الأصل فلماذا نلجأ إلى البديل؟.
¥