قلتُ: فقيْدُ كون الحديث الذّي كثرت طرقه على شرطه غير مذكور في الموضع الأوّل. فيكون المعنى بضمّ ذاك القيد هو: فإن كثرت طرقه التّي على شرطه أورد لكلّ بابٍ طريقاً.
ـ ومن الأمثلة أيضاً:
ـ قال الحافظ في الفتح 1/ 420: قوله [باب] كذا ثبت لأبي ذرّ، وقد قرّرنا أنّه في موضع الفصل من الباب. اهـ.
ـ قلتُ: وأضاف في موضعٍ آخر له قيداً فقال في الفتح 1/ 721: قوله: [باب] كذا هو في الأصل بلا ترجمة، وكأنّه بيّض له فاستمرّ كذلك. وأمّا قول ابن رشيد: إنّ مثل ذلك إذا وقع للبخاري كان كالفصل من الباب فهو حسن حيث يكون بينه وبين الباب الذّي قبله مناسبة، بخلاف مثل هذا الموضع. اهـ.
ـ فقوله الذّي ذكرناه أوّلاً مقيّد بما إذا كان بين هذا الباب والذّي قبله مناسبة.
ـ ورغم استماتة الحافظ ابن حجر في الدّفاع عن الإمام البخاري إلاّ أنّه لم يتعصّب له بحيث لا يرُدُّ له قولاً مُطلقاً بل نراه خالفه في مسائل وفي ذلك قلتُ واصفاً ابن حجرٍ رحمه الله:
ـ .. ودِفاعُهُ بدلائلٍ لم يرْتَدي .... ثوب التَّعصُّبِ منشأ الطُّغيانِ.
ـ .. وخلافه لإمامِنا في شرْحهِ .... في قوْلةٍ فبمُقْتضى البُرْهانِ.
ـ ومن أمثلته: ـ مخالفة ابن حجرٍ للإمام البخاري في اختياره أنّ سؤر الكلب طاهر. الفتح 1/ 363، 364، 365.
ـ وخالفه في موضع في القول بتعدّد قصّة فقال في الفتح 1/ 564: وقد جنح البخاري في التّفسير إلى تعدّدها [يعني القصّة] قال الحافظ: وما تقدّم من اتّحاد القصّة أظهر. اهـ.
ـ ورُبّما تعقّبه في مواطن منها قوله:
1/ 339: وعلى هذا فحَقُّ حديث عبد الله بن زيد أن يُبوَّب له غسل بعض الأعضاء مرّة وبعضها مرّتين وبعضها ثلاثاً. اهـ.
ـ ولمّا كان فتح الباري موسوعةً علميّة فإنّه يُعتبرُ شرحاً للكتب الستّة و أقصد بذلك الأحاديث التّي اشترك الستّة في إخراجها. ونرى الحافظ لا يقتصر في تعليقاته على هذا القدر المشترك بين الستّة بل ربّما علّق على تراجم أو أحاديث انفرد بها أحد الستّة كما صنع ذلك على سنن أبي داود مثلاً ومن ذلك:
ـ 1 ـ بوّب الإمام أبو داود في سننه بقوله: باب في طهور الأرض إذا يبست.وأخرج [382] من حديث عبد الله بن عمر قال: كنت أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكنت فتى شابّاً عزباً وكانت الكلاب تبولُ وتُقبلُ وتُدبِرُ في المسجد فلم يكونوا يرُشّون شيئاً. قلتُ وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم [174] فقال الحافظ في أواخر شرحه لهذا الحديث 1/ 365: واستدلّ به أبو داود في السنن على أنّ الأرض تطهُرُ إذا لاقتها النّجاسة بالجفاف، يعني أنّ قوله: لم يكونوا يرُشّون. يدلُّ على نفي صبّ الماء من باب الأولى، فلولا أنّ الجفاف يُفيدُ تطهير الأرض ما تركوا ذلك، ولا يخفى ما فيه.اهـ.
ـ 2 ـ ومن ذلك أنّ الإمام أبا داود بوّب في سُننه قائلاً: باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد. وأخرج [486] من حديث أنس بن مالك قال: دخل رجل على جملٍ فأناخه في المسجد ثمّ عقله ثمّ قال: أيّكم محمّد ورسول الله صلى الله عليه وسلّم متّكيء بين ظهرانيهم فقلنا له: هذا الأبيض المتّكيء فقال له الرّجل يا ابن عبد المطّلب فقال له صلى الله عليه وسلّم: قد أجبتك. فقال له الرّجل: يا محمّد إنّي سائلك وساق الحديث. قلتُ: أخرج البخاريُّ هذا الحديث بتمامه برقم [63]. وقال الحافظ أثناء شرحه له 1/ 201: وأمّا تبويب أبي داود عليه: باب المشرك يدخل المسجد. فليس مصيراً منه إلى أنّ ضماماً قَدِمَ مُشركاً بل وجهُه أنّهم تركوا شخصاً قادِماً يدخل المسجد من غير استفصال. اهـ.
ـ 3 ـ من تراجم الإمام البخاري في صحيحه: باب دفع السّواك إلى الأكبر. أخرج فيه [246] من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: أراني أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولتُ السّواك الأصغر منهما، فقِيل لي: كبِّر، فدفعتُهُ إلى الأكبر منهما. قال أبو عبد الله [قلتُ هو البخاري]: اختصره نُعيم عن ابن المبارك عن أسامة عن نافع عن ابن عمر.
¥