حديث أبي سعيد سئل فيه النبي ? عن بئر بُضاعة وهي بئر معروفة بالمدينة ليست كبيرة ولكنها أكثر من القلتين. قال أبو داود: طولها قرابة ستة أذرع وماؤها يصل إلى العانة وإذا نقص إلى الركبة.
فسئل عنها النبي ? فقال ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)). فبيَّن ? أن الأصل في الماء الطهورية وأن الماء يدفع عنه الخبث وأنه لا ينجس إلا إذا غلبت النجاسة على لونه أو ريحه أو طعمه.
وحديث أبي أمامة ضعيف فيه رجل متروك، ولكنه إجماع أهل العلم على أن الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فإنه ينجس لأنه صار خبيثاً، والله سبحانه وتعالى قد حرم الخبائث. فالماء الذي تغلب عليه النجاسة يصير خبيثاً حساً، والشريعة لا تخالف الحس.
وأما إذا وقع فيه شيء طاهر فإنه لا يقال إنه نجَّسه وإنما يقال ليس بماء، فمثلاً عندنا ماء طهور وضعنا فيه من ورق الشاي فتغير وصار لونه أحمر.
هل هذا الآن نجس؟ الجواب: لا، لأن الذي وقع فيه طاهر.
هل هو الآن مطهِّر؟ الجواب: لا.
كيف يكون لا يطهِّر والذي وقع فيه طاهر؟ الجواب: المذهب يقولون: إنه صار طاهراً لا يقال طهور ولا يقال نجس، ولذلك الماء عندهم ثلاثة أقسام الطهور والطاهر والنجس: الطهور هو الباقي على خلقته، والطاهر هو الذي تغير بطاهر، والنجس ما تغير بنجاسة.
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن هذا لا دليل عليه وأن الماء قسمان قسم طهور وقسم نجس، وهذا الثالث لا وجود له، فهذا الذي وقع فيه الشيء الطاهر لا يسمى ماءً أصلاً، وهو لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الشيء الذي وقع في الماء يسيراً فإنه لا يضر ويبقى الماء على طهوريته، ماء وقع فيه شيء من الزعفران أو شيء من الشاي ولكن لم يتغير وإنما أثَّر فيه شيئاً يسيراً ولم ينقله عن كونه ماء فإنه يبقى طهوراً، فإذا كثر هذا الطاهر وغلب عليه نقله من كونه ماءً إلى شيء آخر كالعصير والشاي ونحو ذلك.
وهذا يريح الإنسان فإما أن يكون قد غلبت عليه النجاسة فهو نجس، أو لم تؤثر فيه فيبقى على طهوريته، وهذا كما أنه الأرجح دليلاً فهو الأريح عملاً.
5 - وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ? ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) وفي لفظ ((لم ينجس)) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.
الشرح:
هذا الحديث مختلف في صحته، فمنهم من ضعَّفه بسبب الاضطراب في سنده ومنهم ابن القيم رحمه الله. وابن حجر رحمه الله قال: هذا لا يضر، فهذا إذا ثبت فإنه انتقال من ثقة إلى ثقة فإنه لا يضر الحديث.
وقد صححه جماعة من أهل العلم كما ذكر المؤلف وغيرهم كثير.
هذا الحديث يدل ظاهره على أن الماء إذا بلغ القلتين فأكثر لم ينجس مطلقاً ولو تغير بالنجاسة، ولكن قد ثبت الإجماع على أنه ينجس إذا تغير بالنجاسة ولو كان أكثر من القلتين.
ويُفهم من هذا الحديث أن الماء إذا نقص عن القلتين أنه ينجس بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير بالنجاسة، وهذا هو المذهب بناءً على هذا الحديث، ويؤيده الأمر بإراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب دون النظر للتغير، والحديث في صحيح مسلم.
والقول الثاني: أنه إذا كان دون القلتين فلا يلزم من ذلك أن ينجس بمجرد الملاقاة، والحديث ليس صريحاً في ذلك، لأن النجاسة عين خبيثة إذا وُجدت وُجد حكمها وإذا زالت زال حكمها، والشريعة لا تحرم إلا الخبائث، فالنجاسة اليسيرة إذا وقعت في الماء ولم تغيره فإنه ما زال طيباً فلا ينجس شرعاً.
والجواب على الحديث أن دلالته على التنجس دلالة مفهوم، ودلالة المفهوم لا عموم لها كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهي تصدق بصورة واحدة، فالحديث ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) فإذا كان دون القلتين فإنه قد يحمل الخبث وقد لا يحمله، وفائدة الحديث أن ما دون القلتين يُهتم به ويُتأكد منه هل تغير أم لا، وما فوق القلتين ليس كذلك فالغالب أنه لا يحمل الخبث.
والجواب على الأمر بإراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب أن هذا لا يلزم منه النجاسة لعدم ذكرها في الحديث، فقد يكون لأجل الضرر والأمراض التي تحصل في الإناء من فم الكلب.
والقول الثاني أصح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
¥