وأما الكبائر فإنها تكون معها مقاصة، فإذا لم يتب وقد عمل كبيرة فإنها تكون مقاصة. فالوضوء والصلاة والصيام تُذْهب عنه الكبائر ويذهب ما يقابلها من حسناته قال تعالى (والوزن يومئذ الحق) فالحسنات توضع في كفه والسيئات في كفه فإذا رجحت الحسنات فاز، ويذهب من الحسنات ما يقابلها من السيئات، فمثلاً إنسان عنده ألف حسنة ومائة سيئة فهذا لا يُعذب لأن حسناته أكثر ويذهب من حسناته مقابل ما عليه من السيئات هذا بالنسبة للكبائر ودليل ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال ? ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر)) وفي رواية ((إذا اجتنب الكبائر)) فهذا شرط، لا بد أن يجتنب الكبائر من أجل أن تُكفر عنه الصغائر، وإذا اجتنب الكبائر فإنه لا يكون عنده كبائر فتكون هذه الأعمال لا تواجه إلا الصغائر فتكفرها، أما الكبائر إذا حصلت فإنها لا تُكَفَّرُ عنه الصغائر، وهذا ظاهر القرآن والسنة الصحيحة قال تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) فالله سبحانه شرط تكفير السيئات باجتناب الكبائر فالذي يُقارف الكبائر يُحْرَم من تكفير الصغائر، فالكبائر تبقى عليه والصغائر لا تُكفر عنه، وهذا من شؤم المعاصي.
واختلف العلماء في الحج هل يكفر الصغائر والكبائر أم أنه كالصلاة؟.
وجمهور العلماء أنه كالصلاة لأن الصلاة أعظم، فهي الركن الثاني والحج الركن الخامس، ومع ذلك اشترط النبي ? ترك الكبائر.
ومن نظر إلى ظاهر النصوص قال إن الحج يكفر كل شيء لقوله ? ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فالنص صريح في تكفير الجميع، وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ? ((أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله)) فالنبي ? قرن بين الحج والإسلام والهجرة، وهذه تكفر كل شيء. فظاهر النصوص أن الحج يكفِّر كل شيء.
ومنهم من جمع بين هذا وهذا وتوسط وقال: إن الحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم ويكون خالصاً لله وهذا يتضمن التوبة، والواقع يؤيد هذا الجمع فإن الإنسان إذا حج حجة خالصة واجتنب الآثام والمعاصي في هذه الحجة وعمل لله جل وعلا فإن الغالب أن حاله يصلح ويستقيم، ولكن هذا قد لا يكون لازماً.
فالمقصود أن ظاهر الحديث أن الحج يكفِّر كل شيء حتى الكبائر، فمن حج خالصاً لوجه الله وأتى به كما شرعه الله واجتنب المعاصي وصار حجه مبروراً فإنه يرجى أن يُكَفَّر عنه كل شيء حتى الكبائر.
ولكن من قال: سأعمل الكبائر ثم أحج من أجل أن تُكَفَّر فهذا متلاعب والله تعالى لا يقبله منه، فظاهر النصوص يؤيد أنه يكفر عنه كل شيء حتى الكبائر.
باب المسح على الخفين
63 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي ? فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه فقال ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما. متفق عليه.
64 - وللأربعة عنه إلا النسائي: أن النبي ? مسح أعلى الخف وأسفله. وفي إسناده ضعف.
الشرح:
الحديث الثاني ضعيف والصحيح أنه يمسح أعلى الخف كما في حديث علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه وقد رأيت رسول الله ? يمسح أعلى خفيه.
وهذا يدل على أن المسح يكون على أعلى الخف ولا بد أن يلبس الخف على طهارة، ولذا قال بعض أهل العلم: إنه لو غسل رجله اليمين ثم لبس الخف ثم غسل رجله اليسار ثم لبس الثاني فإنه هنا لا يمسح، لأنه لبس الخف الأول على غير طهارة كاملة، فلا بد أن يخلع ثم يلبس ولا يحتاج أن يتوضأ لأنه وضوءه صحيح، لكنه قد لبس الأول في القدم اليمنى على غير طهارة كاملة، فعندما لبس اليمين لم تكن طهارته قد تمت فهو على غير طهارة، ومعلوم أن من غسل أعضاءه ووصل إلى غسل القدم اليمنى فإنه إلى الآن ما ارتفع حدثه ولا يكون طاهراً فلا تتم طهارته إلا بعد أن يغسل القدم اليسرى، فإذا لبس الخف في اليمنى فإنه هنا لا يصدق عليه أنه أدخله طاهراً، فلا بد أن يخلع اليمين ثم يلبسه مرة أخرى.
¥